عبدالله خلف
... مطلع بيت للشاعر الجاهلي، دُريد بن الصّمة، وكان فارساً شجاعاً أدرك الإسلام ولم يُسلِم، وقُتل مشركاً يوم حُنين، قال هذا البيت:
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنعَرَجِ اللِّوَى
فلمْ يَستَبِينُوا النُّصحَ إِلا ضُحَى الغَدِ
والبيت من قصيدة يرثي بها أخاه عبدالله بن الصّمة، وكان قد قُتِلَ في يومٍ يقال له اللِّوى، وكان قد غزا «غطفان» وساق أموالهم ومضى بها، ولما ابتعد عنهم قليلاً قال لقومه انزلوا بنا هنا في منعرج اللوى، فقال له دريد، ناشدتك الله ألا تنزل؛ فإن «غطفان» ليست بغافلة عن أموالها، فأَبَى عبدالله، إلا أن ينزل في ذلك المكان.
فبينما هم كذلك، إذ بغبار قد ارتفع، فإذا هي «غطفان»، فتلاحقوا بمنعرج اللوى فاقتتلوا، فقَتَلَ رجلٌ من بني (قارب) عبدَاللهِ بنَ الصّمة، فتفرق الجمع فاستنقذ بنو غطفان أموالهم، وقال دُريد، يرثي أخاه:
نصحتُ لعارضٍ وأصحابِ عارضٍ
ورَهْط بَنِي السَّوداءِ والقَومُ شُهَّدي
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى
فلمْ يَستَبِينُوا النُّصحَ إِلا ضُحَى الغَدِ
فَلمَّا عَصَوْنِي كُنتُ مِنهمْ وقَد أَرَى
غِوايَتَهُمْ أَوْ أَنَّنِي غيرُ مُهتدِ
وَهَلْ أَنا إِلا مِنْ غَزيَّةَ إِنْ غَوَتْ
غَويتُ وَإِنْ تَرشُدْ غَزَيَّةُ أَرْشُدِ
أمرُ القبيلة مُطاع، حتى ولو كان غير صائب، وغُزَيَّةُ، هم قوم دُريد والقصيدة طويلة فيها ذكر (أمِ مَعْبَدِ) وهي امرأةُ دريد، وقد طلقها دريد؛ لأنها لما رأته شديد الجزع على أخيه عاتبته على ذلك، وصغّرت من شأن أخيه وسبته، وقال دريد شعراً كثيراً في رثاء أخيه، مثلما قال المهلهل في كليب.
وكان أبو عمرو بن العلاء، يقول:
أحسن الشعر الذي قيل في الصبر على النوائب قول دريد بن الصمة، ومن أجمل الرثاء في هذه القصيدة هو:
فإنْ يكُ عبدُاللهِ خَلَّى مَكَانَهُ
فَمَا كَانَ وقّافاً وَلَا طَائِشَ اليَدِ
كَميشُ الإِزارِ خارجٌ نصفُ ساقِهِ
بعيدٌ عنِ الآفاتِ طلّاعُ أنْجُدِ
قليلُ التَّشكي للمُصِيباتِ حافظٌ
منَ اليومِ أعقابَ الأحاديثِ فِي غَدِ
صَبا مَا صَبا حتَّى عَلا الشّيبُ رَأْسَهُ
فَلمَّا عَلاهُ قَال لِلْباطِلِ ابْعدِ