: آخر تحديث

لماذا يشمت اللبنانيون ببعضهم بعضاً؟

2
3
1

لعل من المنطق القول إن المكونات اللبنانية، طوائف وأحزاباً وتيارات وتكتلات ظرفية، لا تتعلم من دروس التاريخ وأحداثه ولا من تجاربها الخاصة، بنجاحاتها وإخفاقاتها، بانتصاراتها وهزائمها. قلة تتعظ لكن بعد أن تكون قد خسرت الدنيا والآخرة. أنشئت الجمهورية "الكبيرة" على زعل، ما كان إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 قراراً لبنانياً جامعاً، كان قراراً فرنسياً سعت إليه فئة لبنانية على رأسها البطريركية المارونية، وأدارها المفوضون الساميون الفرنسيون حتى الإستقلال عام 1943 عندما سلموها الى طبقة سياسية لبنانية قامت على سيبة ثنائية مارونية -سنية، مثل الموارنة الذين كانوا الطائفة الأكثر عدداً حينها كل المسيحيين، ومثل السنة الممتعضون من سلخ مناطقهم عن سوريا أو بالاحرى عن العروبة التي كانت ايديولوجيتها بدأت تنتشر في المنطقة كل المسلمين. لم تكن القسمة عادلة حينها، فآباء الجمهورية أعطوا الطائفة المارونية الحصة الأكبر باعتبارها الأقرب إلى ثقافتهم وسياستهم، وهذا نقاش مستقل. تقاتل اللبنانيون كثيراً في السياسة، وعسكرياً على الأرض، انتهى عهد بشارة الخوري بثورة بيضاء وعهد كميل شمعون بحرب أهلية، وعهد شارل حلو ببداية نذر الحرب الأهلية، وعهد سليمان فرنجية بالحرب الأهلية الطويلة والمدمرة، وعهد الياس سركيس بالإحتلال الإسرائيلي، وعهد أمين الجميل بالفراغ الرئاسي وحكم الرئيسين (ميشال عون وسليم الحص رئيسي الحكومتين آنذاك)، لتأتي مرحلة ما بعد إتفاق الطائف التي خضع البلد فيها منذ عام 1990 للحكم السوري بشكل مباشر تقريباً حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، لكن من دون أن تدخل البلاد في استقرار سياسي، إذ ان الخروج السوري من لبنان تم بعد أن كانت ترسخت قوة "حزب الله" العسكرية والسياسية، خصوصاً بعد حرب تموز (يوليو) 2006 التي صمد فيها الحزب ومنع الدبابات الإسرائيلية من التوغل في أرض الجنوب. كانت عهود ما بعد 2006 عهود إدارة متقهقرة لأزمات البلد الذي ربط ربطاً محكماً بأزمات المنطقة وصراعاتها بامتداداتها الدولية. هذا تاريخ طويل، وهذه مقدمة للإنتقال إلى فكرة تتوجب الإضاءة عليها، وهي ان اللبنانيين، لا يعتبرون ولا يتركون "للصلح مطرحاً". ليس من قبيل الذم القول إنهم عدائيون في حق بعضهم بعضاً، رغم إنسانيتهم وكرمهم غالباً، هم متحفزون دائماً للمشكل ويدهم على الزناد، عصبيون واستفزازيون على الشاشات وفي مواقع التواصل، صفات تناقض الطبيعة المفترضة لجماعة متعلمة عموماً تعيش في بلد منفتح على العالم، شرقه وغربه، يسافر أبناؤه كثيراً ويعايشون مجتمعات منفتحة تتمتع بحرية القول والفكر والتعبير. يعيش لبنان حالياً مرحلة حساسة في تاريخه الحديث بعد حربي غزة ولبنان والتغيير الجيوبوليتيكي الكبير في المنطقة، وهو أمر لم يكن أحد  يفكر مجرد التفكير فيه قبل سنة. حدث ما حدث ووجد اللبنانيون أنفسهم أمام مشهد مذهل: "حزب الله" تلقى ضربة شبه قاصمة عسكرياً وسياسياً وبات وحيداً ومحاصراً بعد انكشاف ظهره بانهيار النظام السوري وخروج إيران المرتبك والمربك. نشأت عن الوضع الجديد حالة من الشماتة بـ"حزب الله" مهما حاول الشامتون إخفاءها، تمظهرت بشكل واضح في التصريحات والمواقف. "حزب الله" عندما كان "منتصراً" ومسيطراً أيضاً لم يُقِم وزناً للآخرين المختلف معهم وفرض رؤيته على البلاد تحت وهج السلاح. يشمت اللبنانيون المتحزبون ببعضهم بعضاً، يوزع كل فريق الحلوى احتفالاً وشماتة بمصائب خصومه، لعل أخطر مظاهر ذلك توزيع الحلوى عند الموت أو الإغتيال. وزعت الحلوى في الضاحية وفي طرابلس وفي غيرهما من المناطق بعد أكثر من حدث دموي. في الوضع الراهن يشعر "حزب الله" بأنه مستهدف من الخارج ومن الداخل أيضاً، لم يتقبل بعد الواقع الجديد، ولن يتقبله بسهولة، يرفع من لهجة خطابه ليرد هجوم خصومه عليه، وهم لا يرحمونه. يمارس السياسيون اللبنانيون الإنتقام. لم يكن "حزب الله" حمامة عندما كانت يده الأعلى، وخصومه ليسوا حمائم الآن. تمترست القوى والأحزاب السياسية دائما في خنادق عميقة من القناعات والإيديولوجيات رافضة تقديم تنازلات، كانت عنيدة ومتشبثة بآرائها رغم ان التجارب علمت الجميع ان الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك. بعض السياسيين يعتمد لهجة تصالحية، لكن "زلات" اللسان تفضح، ولعل الدخول إلى مواقع التواصل الإجتماعي يكشف بشكل أوضح عن مكنونات النفوس حيث الناس يعبرون بأريحية أكبر عن شماتتهم ويتبادلون "الحب" والعيش المشترك" بأفصح تعبيراتهم المسمومة. الكل يتكلم باسم الشعب اللبناني، "حزب الله" يختزل الشعب اللبناني ببيئته والمعارضة (سابقاً) تختزل الشعب اللبناني بمناطقها وأنصارها، والشعب اللبناني منقسم بين هؤلاء واولئك واضحى شعوباً متناحرة. ثلاث علل تقوّض المجتمع والدولة: الاستقواء والعزل والجهل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد