: آخر تحديث

ما بعد الاتفاق

3
3
2

خالد بن حمد المالك

تعمَّدت إسرائيل تأخير التوصل مع حماس إلى إيقاف القتال، وتبادل الأسرى، حقناً للدماء، ومنعاً لمزيد من الدمار في قطاع غزة، بشكل واضح من سلوك تل أبيب، حتى وإن أدى ذلك إلى مقتل رهائنها لدى حماس.

* *

هذا التعمّد المقصود من إسرائيل في مواصلة حرب صُنِّفت من المحكمة الجنائية الدولية بأنها حرب إبادة، الهدف منها تجريف غزة، والانتقام المجنون من الفلسطينيين، حتى من ليس لهم أي دور في عملية السابع من أكتوبر، وغالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن.

* *

كانت سياسة إسرائيل أن الضغط على الفلسطينيين بتحويل قطاع غزة إلى أرض محروقة يضمن تحرير الأسرى لدى حماس، ويبدو أن هذا كان رأي الإدارة الأمريكية والغرب عموماً، لكن هذه السياسة فشلت بأن تكون بديلاً لاتفاق سلام يوقف القتال، ويتم تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس، فكانت الاستجابة الإسرائيلية المتأخرة للقبول بما كانت ترفضه من قبل.

* *

صحيح أن حركة حماس بهذا الاتفاق لم تحقق أي مكاسب سوى وقف قتل المزيد من الأبرياء، وإن ادّعت غير ذلك، لكن الصحيح أيضاً أن إسرائيل هي الأخرى لم تحقق أهدافها التي كانت تصر عليها قبل أي اتفاق مع حماس لإطلاق سراح الأسرى لديها، فالجميع خسر في هذه المعركة خسائر كبيرة في الأرواح، وإن كانت مكاسب إسرائيل أكبر.

* *

لقد تولَّد عن هذه الحرب خسارة حماس لسلاحها، وإدارتها لقطاع غزة، وقتل قادتها، وتهديم قطاع غزة بما نسبته أكثر من 80 % فضلاً عن أن عدد القتلى من الفلسطينيين وصل إلى أكثر من 46 ألف قتيل، وعدد المصابين أكثر من مائة ألف، ومثلهم من المفقودين.

* *

وفي الجانب الإسرائيلي قُتل المئات من الضباط والجنود، وأصيب المئات أيضاً، وفشلت الهجمات العسكرية في العثور على أسراها لدى حماس، وكانت تدير الحرب تحت الضغط الشعبي في المجتمع الإسرائيلي الذي يطالب بإيقاف الحرب، لضمان عودة الأسرى أحياءً إلى أهاليهم.

* *

لكن مكاسب إسرائيل الأخرى امتدت إلى لبنان، حيث قضت على حزب الله وقادته، وقادها ذلك إلى وضع إيران تحت تهديدها، وكذلك تعاملت مع الضفة الغربية بما يستجيب لمصالحها، ومع الحوثي وسوريا، وكلها تولَّدت من مكاسبها في طوفان حماس في السابع من أكتوبر قبل سنة وثلاثة أشهر.

* *

إسرائيل في هذه الحرب خسرت من عناصرها القتالية ما لم تخسره في كل حروبها منذ العام 1948م، كما أن أمد الحرب امتد إلى أكثر من عام، مقابل حروبها السابقة التي لم تتجاوز الأيام، وأهمها حرب الأيام الستة عام 1967م الذي عزَّز احتلال إسرائيل ليس لفلسطين على حدود 1948 وإنما احتلال كل فلسطين، وسيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، وأراض أردنية.

* *

هناك دروس، على العرب أن يستفيدوا منها، فالنكسات تتكرر، وإسرائيل تزيد من إحكام قبضتها ليس على فلسطين فقط، وإنما على أراضي جيرانها، ونحن لاهون بخلافاتنا، منشغلون بالكيد لبعضنا، والمستفيد الأول والأخير عدونا.

* *

الاتفاق بين إسرائيل وحماس يفتح الطريق لإطلاق أسرى فلسطينيين لدى إسرائيل، ويسمح بدخول المساعدات الغذائية والدوائية إلى قطاع غزة، ويمنع ذبح الفلسطينيين، ويوقف سيل دماء الأبرياء، ويمرر قرار إعمار القطاع، ويذكِّر العالم بمأساة شعب تُحتل أرضه، ويُقتل حين يطالب بها.

* *

الاتفاق، يوقف المغامرات، والتهور، والحسابات الخطأ، في التعامل مع إسرائيل، ويشجّع على التفكير بصيغ وأساليب أخرى لانتزاع الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة، ويضع العالم أمام مسؤولياته في نزاع تاريخي يحكمه قرارات دولية حالت أمريكا والغرب دون تطبيقها.

* *

الاتفاق، يجب أن يكون نهاية لحروب قادمة، والبدء من الآن في تحقيق وتنفيذ خيار الدولتين، وعلى حاضنة العدو الولايات المتحدة الأمريكية أن تُلزم تل أبيب بقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس، بدلاً من اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد