منى الدحداح
لبنان، يعاني من أزمة سياسية مزمنة، حيث تعيش البلاد في حالة شلل سياسي بسبب الانقسامات الطائفية والمذهبية التي عصفت بالمؤسسات الحكومية. على مدار أكثر من عامين، فشل السياسيون اللبنانيون في التوصل إلى توافق لانتخاب رئيس للجمهورية، مما أدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
برز الدور الحيوي للمملكة العربية السعودية في فك عقدة الأزمة السياسية اللبنانية، حيث تكللت جهودها بنجاح انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. وقد تجسّد هذا الدور من خلال الزيارة الإستراتيجية التي قام بها الأمير «يزيد بن فرحان»، المكلف بإدارة الملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية، إذ نجح في تقريب المسافات بين القوى السياسية المختلفة قبيل جلسة الانتخاب الرئاسي.
وتتجاوز أهداف هذه الزيارة مجرد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إذ تعكس رغبة سعودية في إعادة ترميم العلاقات الثنائية مع لبنان بعد فترة من الفتور شهدتها السنوات الماضية. كما تؤشر إلى التزام المملكة بمساندة لبنان على مختلف الأصعدة، وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون المشترك بين البلدين.
ورغم النجاح الذي حققته المبادرة السعودية، يواجه لبنان مجموعة من التحديات الجوهرية التي تتطلب معالجة عاجلة. فالأزمة الاقتصادية الحادة تستدعي حلولاً جذرية، كما أن إصلاح القطاع المصرفي يشكل أولوية قصوى. ويضاف إلى ذلك ضرورة استعادة ثقة المجتمع الدولي وإعادة التوازن إلى العلاقات الخارجية للبنان، وهي تحديات تتطلب جهوداً متواصلة وإرادة سياسية صلبة.
في خطاب القسم، حدد الرئيس المنتخب رؤيته المستقبلية للبنان لمعالجة التحديات من خلال مجموعة من التعهدات والالتزامات الأساسية. على الصعيد الداخلي، تعهد بأن يكون حارساً أميناً للميثاق ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، مؤكداً التزامه بتنفيذها.
وفيما يتعلق بالأمن والسيادة، تعهد بترسيخ سلطة الدولة في احتكار السلاح. كما التزم بحماية الحدود اللبنانية براً وبحراً، ومكافحة التهريب والإرهاب، مع التأكيد على احترام القرارات الدولية واتفاق الهدنة والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، جدّد موقفه الرافض لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مؤكداً دعمه لحق العودة وحل الدولتين وفقاً لمبادرة السلام العربية التي أُقرت في قمة بيروت.
أما اقتصادياً، فقد وضع خطة تهدف إلى تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وتشجيع الاستثمارات، مع التركيز على مكافحة الفساد والحفاظ على نظام الاقتصاد الحر والملكية الفردية، وتطوير القطاع المصرفي ضمن إطار الحوكمة والشفافية.
وعلى الصعيد العربي، أكد التزامه بتعزيز العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، منطلقاً من الهوية العربية للبنان. وتعهد ببناء شراكات إستراتيجية مع دول المشرق والخليج وشمال إفريقيا، متبنّياً سياسة الحياد الإيجابي، وداعياً إلى تعزيز التبادل التجاري والسياحي والتعليمي والاستثماري مع هذه الدول.
شكّلت زيارة الأمير «يزيد بن فرحان» مزيداً من الفرح للشعب اللبناني، إذ جسّدت عمق الدعم السعودي للبنان. وقد تجلى هذا الدعم بشكل ملموس في المساهمة الفعالة لإنهاء الفراغ الرئاسي الذي عانى منه لبنان. وتأتي هذه الخطوة السعودية لتؤكد حرص المملكة على مساندة لبنان في مسيرته نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود. فالمملكة العربية السعودية تواصل التزامها التاريخي تجاه لبنان، مؤكدة عزمها على مساعدته في تخطي التحديات الراهنة والمضي قدماً نحو مستقبل أكثر إشراقاً لجميع أبنائه.