: آخر تحديث

غد لبنان ومطرقة خامنئي!

2
3
2

المبالغة في “الجمهورية الإسلامية في إيران” ب “حب اللبنانيين والمقاومة” ليست مجرد “قصيدة” بل هي جزء من استراتيجية مستمرة، في ظل محاولة حثيثة للمحافظة على ديناميتها، لأنّ هاجس طهران، في هذه المرحلة، يتمحور حول مواجهة المساعي الرامية الى إخراجها من “طوفان الأقصى”، وهي مبتورة الأذرع!

التدقيق في “الصلية” الأخيرة من المواقف التي تولى إطلاقها، بالتزامن، المرشد علي خامنئي وكبير مستشاريه علي لاريجاني، يسمح باستخلاص استنتاجات مقلقة. 

علي لاريجاني، وفي مقابلة شاملة مع وكالة “تسنيم” الإيرانية، لم يكشف عن مضمون الرسالتين اللتين حملهما، باسم خامنئي، الى كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ولكنه فضح عنوانهما، بقوله:” أكدنا على ضرورة الاهتمام راهنًا بالعوامل نفسها التي كانت قد أدت إلى النجاح في الفترات السابقة”.

وما امتنع عن تفصيله لاريجاني تولّاه خامنئي نفسه، بقوله أمام حشود الباسيج: “اليوم جبهة المقاومة تتوسع، وغداً هذا التوسع سيتضاعف مرات عدة”.

وإذا تمّ التدقيق في إقرار لاريجاني، ولو بلغة دبلوماسية، بالتدخل الإيراني بتفاصيل المقترح الأميركي الهادف الى وقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، يتضح أنّ “الجمهورية الإسلامية” ترفض كل ما من شأنه أن يمس بقدرة “حزب الله” على إعادة تأهيل نفسه عسكريًا، لمواصلة الأدوار المطلوبة منه في “جبهة المقاومة” التي يريد خامنئي توسيعها “أضعافا عدة”.

ولم يتصدّ لاريجاني لمحاوره عندما اتهم رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي بالكذب، لأنّه أعرب عن استيائه من التدخل الإيراني في شؤون لبنان، بل تجاوز الموضوع ليقول إنّ ميقاتي يعمل من أجل مصلحة لبنان فيما “نحن نعمل من أجل مصلحة جميع اللبنانيين”، مقدمًا مبررات “غير طائفية” لاهتمام إيران ب”حزب الله” أكثر من سائر المكونات اللبنانية الأخرى “التي نحترمها جميعها”، وقال: “إنّ نقاشنا ليس نقاشاً دينياً. صحيح أننا ندعم حزب الله، لكن السبب هو أن حزب الله اليوم يشكل سداً منيعا امام الكيان الصهيوني”.

وهذا يعني أنّ لاريجاني، في “الصدام الفكري” مع رئيس الحكومة اللبنانية، يريد أن يفرض معادلة إيران في لبنان، وهي معادلة تقوم على “أن تتوافق مصلحة لبنان مع قوة حزب الله”، حتى لو وجد لبنان أنّ حصول ذلك “ضرب من المستحيل”، حيث بيّنت التجارب بقديمها وجديدها، أنّ “حزب الله” يقدم مصلحة “جبهة المقاومة” على مصلحة لبنان التي تبقى بالنسبة إليه “ثانوية”!

ماذا يعني ذلك؟

تعمل إيران على ضبط النظام السوري ضمن أجندتها، حتى يكون عاملًا مساهمًا في إعادة قوة “حزب الله”. وهي تملك القدرات لضبط الرئيس السوري بشار الأسد، بفعل هيمنتها الأكيدة على “سوريا المفيدة”. وهي بذلك “تقوطب” على إسرائيل التي طلبت من القيادة الروسية أن تكون ضامن عدم تمرير الصواريخ والأسلحة من سوريا الى “حزب الله”، خصوصا بعدما اكتشفت أنّ أسلحة عدة موجهة من موسكو الى الجيش السوري كانت بحوزة “حزب الله” في القرى الأمامية التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي.

تسعى إيران، إذن الى ضبط الأسد ضمن الإستراتيجية الإيرانية، بما يخدم “جبهة المقاومة ” عمومًا وحركة “حماس” وتنظيم الجهاد الإسلامي، خصوصا.

وتعمل إيران، من خلال وقوفها وراء “حزب الله” على منع لبنان من التفلّت من نفوذها، في ضوء ما أصاب “حزب الله” من وهن كبير، بسبب الخسائر الكبرى التي ألحقتها به إسرائيل في “سهام الشمال”. 

وهذا التوجه الإيراني يمكن أن تنتج عنه احتمالات لها تداعيات على حاضر لبنان ومستقبله.

الإحتمال الأوّل، أن تسمح إيران بوقف الحرب، في ضوء واقع مقاتلي “حزب الله” السيّئ، إذ إنّ القدرات الصاروخية المتبقية، لا تكفي وحدها لصد هجوم بري إسرائيلي، يمكن أن يصل الى آخر نقطة في جنوب نهر الليطاني، ويؤدي بفعل الرد على قصف العمق الإسرائيلي، إلى تدمير شامل للمدن والبلدات والقرى الشيعية، ولا سيما الضاحية الجنوبية لبيروت، على أن يُصار، في وقت لاحق، وبالتعاون مع سوريا الى التفلّت من الاتفاق الجديد، وإعادة هيكلة “حزب الله”، الأمر الذي من شأنه إبقاء لبنان، في وضعية الخطر الداهم.

الإحتمال الثاني، أن ترعى إيران انقلاب “حزب الله” على المعادلات الداخلية في لبنان، ليتمكن من الإستيلاء على السلطة، بحيث تكون إعادة تأهيل نفسه، “شرعية”، على اعتباره “المرجعية الدستورية في البلاد”.

الإحتمال الثالث، أن تستثمر إيران بالتهويل بكل الإحتمالات الممكنة، من أجل أن تقبض ثمن تبريد الجبهة اللبنانية، ليس اعترافا بنفوذها في لبنان، وفق ما هو معمول به في العراق فحسب بل انفتاحا دوليا عليها، أيضا، وهي التي دخلت في أسوأ أزماتها المالية والإقتصادية والخدماتية، بحيث تعجز، في موسمي البرد والحر، عن توفير ما يلزم من كهرباء لشعبها، حتى ضمن العاصمة نفسها. 

كل الإحتمالات تبقى واردة، إلّا إذا أثبت اللبنانيون المعارضون لذلك قدرتهم على التصدي، ورفعوا الصوت، بتوقيت مبكر جدًا، لإنقاذ بلدهم من أن يتم رميه، مرة جديدة، في جحيم “جبهة المقاومة”!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد