خيرالله خيرالله
انتقل محمود عبّاس (أبو مازن)، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة أو لم ينتقل، لن يصنع ذلك فارقاً من أي نوع. يعود ذلك إلى أسباب عدّة. في مقدمة هذه الأسباب الخراب الذي حلّ بغزّة، والذي يبدو أنّ "أبو مازن" لا يريد الاعتراف بوجوده أو أخذ العلم به. أين سيقيم رئيس السلطة الوطنية ومرافقوه في غزّة ومن سيحميهم ومن سيتولى تنفيذ التعليمات التي يمكن أن تصدر عنهم... هذا إذا كانت هناك تعليمات وخطة عمل لما بعد وقف حرب غزّة تسمح بمجيء رئيس السلطة الوطنيّة إلى القطاع؟
كلّ ما يريده رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية، وهو أيضاً زعيم "فتح"، قوله إنّ في استطاعة السلطة التي يمثلها أن تكون حاضرة في غزّة في اليوم التالي لوقف الحرب الدائرة في القطاع منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، تاريخ شنّ "حماس" هجوم "طوفان الأقصى". عاد هذا الهجوم، الذي استهدف المستوطنات الإسرائيلية في منطقة تسمّى غلاف غزّة، بالويلات على القطاع. لم تستطع إسرائيل القضاء نهائيّاً على "حماس"، فقرّرت التخلص من غزّة وتحويلها إلى أرض غير قابلة للحياة. هذا ما حصل بالفعل. ما حصل أيضاً أن لا دور تلعبه السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي فاتها قطار غزّة في مثل هذه الأيام من العام 2005. وقتذك، انسحبت إسرائيل انسحاباً كاملاً من القطاع. شمل الانسحاب المستوطنات التي أقيمت في القطاع. كان على "أبو مازن" الانتقال إلى غزّة فور انسحاب إسرائيل. كان عليه جعلها مقرّاً له، إلى جانب رام الله، بدل ترك "حماس" تستولي على القطاع. من لم يتحمّل مسؤولياته قبل 19 عاماً، عندما كان رئيس السلطة الوطنيّة في سنّ تسمح له بالحركة، لن يستطيع تحمّل أي مسؤوليات في العام 2024 بعدما قارب الـ88 من العمر.
ما الذي يستطيع ابن الـ88 عمله في غزّة في ظلّ كل هذا الدمار الذي خلفه الوحش الإسرائيلي الذي اسمه بنيامين نتنياهو؟ الجواب، بكلّ بساطة أن مجيء "أبو مازن" لا يقدّم ولا يؤخّر... هذا إذا كان سيسمح له أي طرف معني بحرب غزّة بالانتقال إلى القطاع. يبدو الموضوع مرتبطاً بسعي رئيس السلطة الوطنيّة إلى الظهور في مظهر من لا يزال قادراً على لعب دور بعيداً عن الواقع القائم، من جهة، وقوانين الطبيعة، من جهة أخرى.
مرّة أخرى، لو كانت لدى رئيس السلطة الوطنيّة فكرة عن أي دور يمكن أن يلعبه، لكان قفز إلى غزّة فور الانسحاب الإسرائيلي ولكان وقف في وجه "حماس" التي سعت منذ اللحظة الأولى لذلك الانسحاب إلى إقامة "إمارة إسلاميّة" في القطاع على الطريقة الطالبانيّة، نسبة إلى "طالبان" في أفغانستان.
أكثر من أي وقت، تحتاج غزّة إلى وقف للنار والتفكير في الوقت ذاته بمشروع سياسي لليوم الذي يلي وقف الحرب. يحتاج مثل هذا المشروع السياسي إلى دور قيادي أميركي يبدو مفقوداً، أقلّه في المدى المنظور. في غياب هذا الدور لا مكان سوى للتطرّف في غزّة. يستغلّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة الغياب الأميركي إلى أبعد حدود. لن يصنع مجيء وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى تل أبيب أي فارق في غياب خطة عمل واضحة تجبر إسرائيل على وقف حربها على غزّة، وهي حرب بدأتها "حماس" ولم يعد في استطاعتها وقفها.
في المواجهة بين إسرائيل و"حماس"، ليس ما يشير إلى رغبة أي طرف من الطرفين في وقف الحرب، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يستطيع القبول بأي شرط من الشروط التي تسعى الحركة إلى فرضها. هناك بكلّ بساطة طرفان، هما إسرائيل ممثلة بنتنياهو و"حماس" ممثلة بيحيى السنوار، يهمهما استمرار الحرب. لكلّ منهما أسباب خاصة به تدعوه إلى رفض حلول معقولة ومقبولة ومنطقية.
لا وجود لأي مشروع سياسي لدى إسرائيل، بوجود الحكومة الحاليّة، ولا وجود لأي مشروع سياسي لدى "حماس" التي لا تعرف ما الذي تريده بالفعل. الأهمّ من ذلك كلّه، أن القوة العظمى المعنيّة بوقف الحرب وتقديم مشروع سياسي، بالاتفاق مع الجهات العربيّة المعنيّة، غارقة في مرحلة انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمير) المقبل، أي في غضون شهرين ونصف شهر.
من الآن إلى موعد انتخابات الرئاسة لا مكان لأي وقف حقيقي للنار في غزّة. لا مكان في طبيعة الحال لأي دور للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، التي أفضل ما فعلته إلى الآن، الحفاظ على حد أدنى من الهدوء النسبي في الضفّة الغربيّة. حافظت على هذا الحدّ الأدنى على رغم الاستفزازات اليومية لإسرائيل وعلى رغم سعي "حماس" إلى إثارة الإضطرابات في الضفة، بحجة دعم غزة...
متى يظهر المشروع السياسي المرتبط بمستقبل غزّة يصبح ممكناً الحديث عن هدنة وعن دور للسلطة الوطنيّة، بشكلها الجديد طبعاً.
سيحتاج ذلك إلى دور قيادي أميركي وتعاون عربي وسلطة وطنيّة مختلفة... وحكومة من نوع آخر في إسرائيل تفكّر في مستقبل المنطقة وليس في المستقبل السياسي لشخص لا مستقبل له إسمه "بيبي" نتنياهو...