: آخر تحديث

دولة إسرائيل وسوريا الجديدة: هل يمكن التعايش؟

2
2
3

أحد أبرز نقاط النقاش حول مستقبل سوريا تتمثل في علاقة سوريا مابعد الأسد بدولة إسرائيل، ويبدو أن قائد الإدارة السورية الجديدة قد استعد لهذا النقاش جيداً حيث بادر خلال حديثه مع شبكة "بي بي سي" إلى القول بأن "البلاد منهكة من الحروب وبحاجة لتنميتها ولا تشكل أي تهديد لأي دولة في العالم"، وهو بهذا  النص والاعلان المباشر يخرج سوريا تماماً من معادلة الصراع مع دولة إسرائيل، ويطوي صفحة وجودها ضمن ما تسميه إيران بمحور المقاومة، فلا محور ولا مقاومة إذن من وجهة نظر الإدارة السورية الجديدة، ولكن هذا الحديث لا يمثل بالنسبة لإسرائيل والغرب سوى إعلان نوايا لا يمكن التعويل عليه بشكل نهائي سواء لأن الأمور لم تستقر بعد للإدارة السورية الجديدة، أو لأن الخلفية الأيديولوجية المتطرفة لقادة سوريا الجدد تملي ضرورة التريث واختبار هذه النوايا حتى توضع في إطار التنفيذ وضمن هياكل دولة جديدة ذات مؤسسات موثوقة، وكذلك الاطئمنان إلى أن الطرف الاقليمي الذي ظل مهيمناً على سلطة القرار السوري لحقبة طويلة قد استسلم للواقع الجيوسياسي الجديد وأقتنع بأن التغيير بات واقعاً ينبغي التعامل معه.

حديث الشرع يعكس إدراكه لمسببات التوتر الراهنة في العلاقات السورية مع دولة إسرائيل حيث قال "كان لدى إسرائيل حجج لتدخلهم في سوريا تتعلق بالميلشيات الإيرانية وحزب الله والآن لا مبرر لتقدم القوات الإسرائيلية في سوريا"، مشيراً إلى آليات دبلوماسية في التعامل مع إسرائيل بشأن هذه الجزئية منها الضغط الدولي والأمم المتحدة، وأشار إلى "وجوب" أن تكون سوريا حلقة وصل وليست طرفاً في الصراع بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا ودولة إسرائيل، وهذه لغة دبلوماسية جيدة ولكن تحقيقها يبدو صعباً للغاية في ضوء عدم قدرة الدبلوماسية العراقية على سبيل المثال على الفكاك من الصراع الأمريكي الإيراني على أراضيها رغم ما تبديه هذه الدبلوماسية من ديناميكية وفاعلية في التعامل مع الملفات ذات الصلة بالأمن القومي العراقي. اللافت هنا أن الشرع استبعد تماماً أي ذكر لإيران رغم وجودها القوي ونفوذها الذي تعمق في الشأن السوري خلال السنوات الأخيرة، وبداً وكأنه واثقاً من محو كل الإرث الإيراني بجرة قلم أو بمجرد سقوط نظام الأسد، وهو استنتاج قد لا يبدو واقعياً في ظل هشاشة الوضع الأمني السوري وصعوبة التيقن من تفاصيل هذا الوضع والتشابكات المناطقية والديموجرافية التي تعمقت طيلة السنوات الأخيرة.

من بين رسائل الطمأنة التي بعث بها أحمد الشرع إلى دولة إسرائيل فك الارتباط النهائي مع إيران، وهذا الأمر لا يتعلق بطمأنة دولة  إسرائيل بشكل مباشر بقدر ما يرتبط بالعداء الأيديولوجي والمصالحي بين إيران التي حاربت الفصائل المسلحة دعماً للأسد، وبين هذه الفصائل ذات الخلفية الفكرية والمذهبية المعادية لإيران، ولكن الأمر يصب بالنهاية في مصلحة دولة إسرائيل. ونلاحظ هنا أن الشرع قد أعلن ترحيبه ببقاء روسيا على الأراضي السورية، معرباً عن اعتقاده بأن سرويا لا يمكن أن تنفصل عن روسيا بشكل سريع، وأن من الممكن بناء علاقات استراتيجية على أسس جديدة تضمن سيادة سوريا واستقلال قرارها، ومشيراً إلى وجود "اتفاقات جائرة" بين الأسد وروسيا، وهذا القبول المبدئي بالوجود الروسي لا يتعلق فقط بنفاذية الوجود الروسي في الداخل السوري، بقدر ما يعكس إدراك الشرع ورفاقه أن أحد أهم ركائز وجودهم والاعتراف بها إقليمياً ودولياً ودعمهم هو فك الارتباط نهائياً مع إيران، وهذا ماحدث بالفعل منذ اللحظات الأولى لسقوط الأسد.

دولة إسرائيل من جانبها لم تنتظر جس نبض الحكم السوري الجديد، بل سارعت إلى تكثيف ضرباتها على المرافق ومخازن الأسلحة والمنشآت العسكرية الحيوية السورية، للقضاء نهائياً على أي احتمالية لتهديدها من جانب النظام الجديد ووضعه أمام الأمر الواقع وهو انتفاء القدرة الفعلية على تهديد أمن دولة إسرائيل، وقد بررت إسرائيل هجماتها بأنها تهدف إلى تعزيز أمنها ومنع وقوع الأسلحة المتقدمة، مثل الأسلحة الكيميائية، في أيدي من وصفتهم بـ "جماعات إرهابية"، فيما نشر إعلامياً في دولة إسرائيل عن تدمير نحو 80%من القدرات العسكرية السورية القائمة،  معتبرة تحركاتها ذات صبغة دفاعية وقائية، كما نشرت دولة إسرائيل قواتها في المنطقة العازلة على الحدود السورية، التي تفصل هضبة الجولان المحتلة عن الأراضي السورية، في أول دخول للمنطقة منذ توقيع الاتفاق، الذي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الغائه رسمياً، معتبراً أنها "خطوة مؤقتة" إلى أن يتم ترتيب الوضع الأمني مع الحكومة السورية الجديدة.

باعتقادي أن دولة إسرائيل لا تخشى من سوريا الجديدة بقدر ما تخشى طموحات تركيا القديمة والمتجددة وطبيعة ارتباطها بالنظام السوري الجديد، ولكن دولة إسرائيل في جميع الأحوال استطاعت ـ ضمن تحركات استباقية احترازية للاستفادة من الوضع ـ فرض أمر واقع جديد من خلال توسيع المناطق العازلة على طول الحدود مع سوريا لتعزيز موقفها التفاوض لاحقاً فيما يتصل بهضبة الجولان.

دولة إسرائيل تحسبت كذلك لنشوب صراع عسكري جديد داخل سوريا بين الفصائل المسلحة، بما يهدد أمن دولة إسرائيل، في تجسيد للدرس القاسي والاهم الذي تعلمته إسرائيل عقب هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته "حماس الإرهابية" على أراضيها وهو ألا تترك شيئاً للظروف، وتقدم العمل الاستباقي لحماية نفسها وشعبها من أي تهديدات محتملة مهما كانت ضآلتها، لاسيما أن التجارب الاقليمية تشير إلى أن مخازن الأسلحة السورية يمكن أن تنتقل للفصائل السورية المتطرفة والمختلفة  وتعزز قدرتها على شن الهجمات أو حتى مجرد التلويح بذلك، حيث لم يعد لدى دولة إسرائيل أي تردد في القضاء على مصادر التهديد المحتملة لأن مسألة التهاون والتساهل مع مصادر التهديد بحجة السلام أصبحت من الماضي.

المعلن رسمياً أن دولة إسرائيل لن تمانع في اقامة علاقات طبيعية مع النظام السوري الجديد شريطة انهاء ارتباط سوريا بإيران، وعدم السماح بوجود تنظيمات ارهابية داخل سوريا، ولكن قد يكون من المبكر بناء تصور واقعي حول امكانية قبول دولة إسرائيل بنظام حكم سوري يقوده جهاديون سابقين، لاسيما إن كانت لهم ارتباطات استراتيجية قوية مع تركيا تحديداً حيث باتت دولة إسرائيل تخشى ما يسميه بعض مراقبيها بـ"الحلم العثماني"، لاسيما أن وجود نظام حكم سوري ذي خلفية إسلامية وتاريخ متطرف مهما ادعى في درجة اعتداله، وهو ما قد يكون محفزاً لتحولات استراتيجية في دول إقليمية أخرى ويمنح إسلاميو تركيا نافذة فرص جديدة لمواصلة الحكم بعد نهاية حقبة أردوغان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف