حالة من التوتر والارتباك سادت المشهد في مخيم جنين خلال الفترة الأخيرة، وذلك عقب تمرد جماعات محلية مسلحة على السلطة الفلسطينية بهدف النيل من النظام العام. وامتدت دوافع هذه الجماعات إلى تحويل الضفة الغربية إلى منطقة ارتباك على غرار غزة، ليظل المشهد ملتبسًا وغير مستقر في كافة الأراضي الفلسطينية.
تدور معارك عنيفة في المخيم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و"كتيبة جنين"، التي تسيطر على المخيم وتتألف من مسلحين ينتمون إلى فصائل فلسطينية مختلفة. أسفرت هذه المعارك عن مقتل أحد عشر شخصًا، بينهم خمسة عناصر من الأمن الفلسطيني، وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأربعة مدنيين آخرين، وقيادي من كتيبة جنين. ولهذا، أطلقت السلطة الفلسطينية حملة “حماية وطن”، التي دخلت يومها الثالث والثلاثين على التوالي، بهدف استعادة النظام العام في جنين.
تستهدف الحملة نزع سلاح هذه المجموعات والتوقف عن تعريض السكان المحليين للخطر، مع التأكيد على أن هذه الحملة ليست موجهة ضد الفلسطينيين أو لخدمة الاحتلال، بل تهدف إلى القضاء على الخارجين عن القانون والراغبين في إرباك المشهد الفلسطيني.
الهزائم المتكررة التي تعرضت لها حركتا الجهاد الإسلامي وحماس في غزة دفعت بهما إلى البحث عن ساحات جديدة لممارسة أنشطتهما. وقد وجدتا في جنين ومخيمها بيئة خصبة لتوسيع نفوذهما. تسعى هاتان الحركتان إلى إرباك الوضع في الضفة الغربية، وإضعاف سلطة الدولة، وإثارة الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني. إلا أن الرد الحازم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية كشف زيف هذه الادعاءات وأكد تماسك النسيج الوطني الفلسطيني.
إقرأ أيضاً: زوجات الأسرى الفلسطينيين بين الأمل واليأس
والمتابع الجيد لأحداث جنين يدرك أن الفصائل المسلحة تسعى لتأليب الرأي العام ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، لكن وعي الشارع الفلسطيني دحر مخططات الفوضى. كذلك، فإن ما يُشاع عن التنسيق الأمني مع إسرائيل في هذه العملية الأمنية غير صحيح على الإطلاق. فما زالت السلطة الفلسطينية تعمل على إنهاء حالة الفوضى في جنين ومخيمها، لتأكيد قدرتها على السيطرة على مجريات الأمور.
دور السلطة الفلسطينية مستمر في استعادة الأمن في الضفة الغربية، من أجل حماية النظام الداخلي وفرض سيادة القانون في مناطقها. كما تسعى لتعزيز مكانتها والتعامل مع التحديات الداخلية المتمثلة في تلك الجماعات التي تسعى لإحداث فراغ أمني لتحقيق مكاسب سياسية على حساب السلطة. تهدف الحملات الأخيرة إلى إحباط محاولات هذه الجماعات لزعزعة الاستقرار، وتفكيك الشبكات المسلحة، والتأكيد للمجتمع الدولي أن السلطة قادرة على إدارة شؤونها الأمنية، مما يعزز فرص الحصول على دعم دولي يصب في صالح القضية الفلسطينية.
إقرأ أيضاً: صراع العشائر المسلحة وحماس في غزة
تشير العمليات الأمنية في جنين إلى رغبة السلطة في ترسيخ سيطرتها على الأرض، حيث يمكن اعتبار هذه العمليات استعدادًا لمهمة أكبر، ألا وهي استعادة السيطرة على قطاع غزة في حال قررت إسرائيل تسليم إدارته للسلطة. تسعى السلطة من خلال هذه العمليات إلى إثبات قدرتها على فرض الأمن والاستقرار، وتعزيز مكانتها كلاعب أساسي في أي حل سياسي مستقبلي. هذا الأمر يضع حماس في موقف صعب، إذ يكشف عجزها عن الحفاظ على الأمن، ويؤكد أن سياستها لا تصلح لبناء دولة.
ويبقى ما روجته حركتا حماس والجهاد الإسلامي بشأن أن السلطة الفلسطينية تخدم أهداف إسرائيل محل سخرية من الشعب الفلسطيني. الحركتان تسعيان لنشر العنف والفزع بين المواطنين في جنين والضفة الغربية، مما أدى إلى اشتباكات مع السلطة، دفع الشعب الفلسطيني ثمنها من حياته اليومية ومعيشته. وكما ذكر مسؤول في السلطة الفلسطينية، فإن الرئيس محمود عباس يرفض بشكل قاطع أي وساطة، ويشدد على ضرورة أن يسلم المسلحون أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية.
إقرأ أيضاً: صيدنايا وسجون غزة.. وجهان لعملة واحدة
ختامًا، فإن نجاح السلطة الفلسطينية في فرض الأمن والاستقرار في جنين يفتح آفاقًا جديدة أمام المشروع الوطني الفلسطيني. فمن خلال تعزيز الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، يمكن للسلطة أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في بناء مؤسسات الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الإنجاز يتطلب استمرار الجهود الأمنية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مما يجعل نجاح السلطة في جنين نموذجًا يحتذى به في بقية المناطق الفلسطينية.