الهجوم الإسرائيلي المذهل على حزب الله، وقتل قادته، وتدمير مخازن أسلحته يشكل نقطة تحول نحو نهاية طموحات إيران التوسعية في المنطقة العربية، ويضع الأساس لظهور شرق أوسط ديناميكي وسلمي في نهاية المطاف، خصوصًا أن هناك ترتيبات اقتصادية تقودها السعودية وأميركا من خلال الإعلان عن الممر الهندي الأوروبي، الذي تطمح إسرائيل أن تكون شريكة فيه بعدما فشلت تاريخيًا في الاندماج الإقليمي. ورغم التوصل في كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل إلى اتفاقيات، والتطبيع بموجب صفقة القرن في عهد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب بين الإمارات، البحرين، والمغرب، إلا أن إسرائيل تطمح إلى إقامة علاقة مع السعودية. وتضع السعودية شرطًا إنهاء الصراع مع الفلسطينيين بإقامة إسرائيل دولة فلسطينية. لكن محور المقاومة بقيادة إيران يرى في إقامة دولة فلسطينية مستقلة خيانة. كما أن هناك في الداخل الإسرائيلي من يرفض إقامة الدولة الفلسطينية. ورغم ذلك، فإن جهود الدبلوماسية السعودية توصلت إلى موافقة 147 دولة على إقامة دولة فلسطينية، واتجهت إلى إعلان تحالف دولي أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان من نيويورك، تدعمه أوروبا، بعدما خسرت هذه الأخيرة الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا. فهي تطمح إلى الحصول على الطاقة النظيفة والمتجددة من دول الخليج.
هناك خلاف حاد بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يستثمر التنافس الانتخابي في أميركا. وقد نصح بايدن نتنياهو بعدم التعرض للرد الإسرائيلي على الضربات الإيرانية الموجهة للبرنامج النووي ومصافي النفط التي تؤثر على أسعار النفط، ما ينعكس بشكل مباشر على الانتخابات الأميركية. ورغم أن رد إيران بصواريخها على إسرائيل كان هيكليًا وليس حقيقيًا، إلا أن الهجمة السيبرانية التي أصابت عددًا من الأهداف أكدت أن إسرائيل تلقت ضربات مؤثرة. وقد أعرب وزير المالية الإسرائيلي اليميني، سموتريتش، عن استيائه من أن بايدن لم يساعد إسرائيل في التصدي لهذه الصواريخ، التي سقط معظمها دون تأثير كبير. بذلك، يشعر البعض في إسرائيل بأن بايدن خانهم. كما طلب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت زيارة أميركا للقاء نظيره الأميركي لويد أوستن، لكن منعه نتنياهو من الذهاب، رغم إجراء 70 اتصالًا بين غالانت وأوستن منذ أحداث "طوفان الأقصى".
في الوقت ذاته، تحاول السعودية ودول عربية وغربية في بيان مشترك، الدعوة إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله لمدة 21 يومًا. ولكن وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، نسف هذه الجهود، مؤكدًا أنه لا قيمة للأمتار، وكأنه يدعو إلى التلاحم البري كما حدث في غزة حتى وصلت إسرائيل إلى معبر رفح. بالرغم من أن نعيم قاسم، نائب أمين حزب الله، ورئيس مجلس النواب نبيه بري يقودان المرحلة السلمية في لبنان، ويعملان على فصل الساحة اللبنانية عن ساحة غزة، فإنَّ إسرائيل تواصل القصف، مستهدفة مبنى قرب سفارة إيران في دمشق في حي المزة، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص، بينهم نائب قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني.
إقرأ أيضاً: مستقبل مشروع إيران بعد نكسة اغتيال زعيم حزب الله
من جانب آخر، تُتهم إدارة بايدن بمعاقبة الاعتدال في المنطقة ومكافأة التطرف والإرهاب، بهدف إدخال إيران في الفضاء الأميركي عبر مغريات، لأن أميركا تنظر إلى إيران من منظور جيوسياسي لكبح النفوذ الروسي. لكن إسرائيل ترفض هذه المغريات، متذكرة الصفقة النووية في 2015 التي تم توقيعها دون أخذ التحفظات الإسرائيلية بعين الاعتبار. وبينما تدور الصراعات بين إسرائيل وإيران في إطار تنافس جيوسياسي على النفوذ في المنطقة العربية، فإن أميركا تستخدم إسرائيل كعصا للضغط، بينما تلوح لإيران برضا بهلوي كتهديد محتمل لزعزعة النظام الإيراني.
إقرأ أيضاً: هل ينجح حزب الله في التمسك بالإسناد وربط الساحات؟
اتبعت الولايات المتحدة منذ هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) سياسة مجزأة مبنية على رد الفعل. حتى الآن، لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة نفوذها الكامل على حلفائها الإقليميين، رغم إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لمنع توسع الصراع. تسعى الولايات المتحدة إلى الحلول الدبلوماسية، لأنها ترى أن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف، وهو ما لا تريده. وفي الوقت نفسه، تحاول أميركا تغيير سلوك إسرائيل دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع في هزيمة حماس، وهو ما قد يساهم في تغيير سلوك إيران أيضًا.