تتوالى التقارير حول تنامي العلاقة بين جبهة البوليساريو وإيران، ما يطرح علامات استفهام حول أهداف هذا التحالف وأبعاده على مستقبل شمال وغرب إفريقيا. في ظل الأوضاع المتوترة التي تعيشها المنطقة، يبدو أن طهران تتجه نحو توسيع نطاق نفوذها الجيوسياسي عبر بوابة دعم الحركات الانفصالية والجماعات المسلحة بعد تراجع دورها في فلسطين وسوريا واليمن ولبنان. يعتبر هذا التحالف جزءاً من استراتيجية إيرانية أوسع تهدف إلى تعزيز حضورها خارج الشرق الأوسط، باستخدام تكتيكات غير تقليدية لتوسيع رقعة تأثيرها الإقليمي.
تتعدد دوافع إيران للدخول في تحالف مع جبهة البوليساريو، فالتحالف مع حركة انفصالية في منطقة الصحراء المغربية يمنح إيران وسيلة ضغط فعالة ضد المغرب، الذي يعتبر خصماً إقليمياً بسبب تحالفاته القوية مع دول الخليج وأوروبا. كما تسعى إيران إلى استغلال هذه الشراكة لتحويل الأنظار عن تدخلاتها في الشرق الأوسط وتوجيه جزء من الصراع إلى شمال إفريقيا. دعم حركات انفصالية مثل البوليساريو يوفر لطهران فرصة لتعميق توغلها في القارة الإفريقية من خلال استراتيجيات غير تقليدية تشمل التدريب العسكري والدعم اللوجستي. وهذا التحالف يتيح لإيران توسيع نفوذها ليشمل مناطق غنية بالموارد الطبيعية وتعتبر في الوقت ذاته مناطق استراتيجية يمكن استخدامها لمواجهة النفوذ الغربي.
الآثار المترتبة على هذه العلاقة قد تكون خطيرة على المدى البعيد. استغلال إيران لملف البوليساريو يعني إشعال المزيد من التوترات في منطقة مشتعلة أصلاً، حيث التوتر الإقليمي بين المغرب والجزائر، وتحول الأراضي التي تسيطر عليها البوليساريو إلى مراكز لتهريب السلاح والمخدرات، مما يهدد الأمن في المنطقة ويزيد من صعوبة الحلول السلمية للنزاع. إيران تستخدم هذه المناطق كقواعد لنشر الفكر الشيعي كما حدث سابقاً بين فئات في موريتانيا والسنغال والنيجر، وهو ما يمثل تحدياً إضافياً للأنظمة الحاكمة في إفريقيا ذات الطابع السني التقليدي.
إقرأ أيضاً: ما التداعيات الأخلاقية لوصول الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الوعي؟
تتزامن هذه التحركات مع محاولات إيرانية أخرى لزيادة تأثيرها في مناطق مختلفة من إفريقيا عبر أدوات دبلوماسية ودينية واقتصادية. انتشار المؤسسات الثقافية والدينية الإيرانية في بعض البلدان الإفريقية يهدف إلى كسب تأييد المجتمعات المحلية وتكوين ولاءات جديدة، ولا يخفى أن هذا النشاط الإيراني يتعارض بشكل مباشر مع مصالح القوى الغربية التي تسعى للحد من نفوذ طهران. وبالتالي، يمكن أن يؤدي التحالف مع البوليساريو إلى تعميق التوتر بين إيران والغرب، وفتح جبهة جديدة للصراع تتطلب تدخلاً دولياً لتجنب زعزعة استقرار القارة برمتها.
إن استخدام إيران لأدوات غير تقليدية في توسيع نفوذها يعكس مدى تغير استراتيجيتها السياسية، في مواجهة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية والهزائم الأخيرة. لذا، تجد طهران نفسها مضطرة لاستخدام حلفاء جدد لخلق نقاط توتر جيوسياسية. الدعم الذي تقدمه للبوليساريو قد يكون خطوة لتعزيز مكانتها في قضايا إفريقية أخرى، مثل الوضع في السودان الأم ودولة جنوب السودان أو أزمة الساحل، حيث يمكن لطهران أن تطرح نفسها كقوة معارضة للنفوذ الغربي في تلك المناطق.
إقرأ أيضاً: فخ الوقت: وهم الزمان والحقيقة الأبدية
رغم السرية التي تحيط بهذا التحالف، فإنَّ تداعياته تبدو جلية في الأفق. تصاعد التوترات في شمال إفريقيا قد يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع يمتد تأثيره ليشمل الساحل الإفريقي بأكمله. التحالف بين إيران والبوليساريو يشكل تهديداً كبيراً على الجهود الدبلوماسية الرامية لحل النزاع في الصحراء المغربية، كما أنه قد يعزز من قوة الجماعات المسلحة في المنطقة، مما يجعل من الصعب تحقيق استقرار سياسي وأمني مستدام.
إنَّ التحدي الأكبر يكمن في كيفية التعامل مع هذا التحالف الجديد، وسط تعقيدات الساحة الإفريقية وتداخل المصالح الدولية فيها. قد تتطلب المواجهة تدخلاً دبلوماسياً متعدد الأطراف، يتجاوز الحلول التقليدية، ويشمل اتخاذ تدابير حازمة للحد من الأنشطة الإيرانية غير المشروعة في القارة السمراء الغنية بالموارد البشرية والثروات.