سامي الدجوي
حضرتُ اجتماعاً مع ممثلين من جهات حكومية عدة؛ بهدف استعراض إنجازات كل جهة وبحث سُبل زيادة التعاون بين الجهات. خلال العرض الذي قدّمه ممثل الجهة المضيفة، استخدم المحاضر مصطلح «الفاعلية» كثيراً كمحور رئيسي في سياق حديثه. بعد انتهاء العرض، طرحتُ عليه بضعة أسئلة للحصول على مزيد من التوضيح حول الأفكار التي طرحها، وتبيّن من الإجابات أن المقصود كان «الكفاءة» وليست «الفاعلية». عندها، وضّحتُ الفرق بين المصطلحين، فتبيّن له هذا الاختلاف وأجرى مشكوراً التعديل اللازم. في موقف غير مألوف، تدّخل ممثل إحدى الجهات مستغرباً من هذا الطرح وساخراً من هذا التوضيح، حيث اعتبر أن «الفاعلية» و«الكفاءة» كلمتان مترادفتان وليس بينهما فرق كبير، واستشهد بالقاعدة الشرعية «لا مُشَاحَّة في الاصطلاح». لكن من منظور علم الإدارة، هناك فرق دقيق وعميق بين المصطلحين، سنوضح في هذا المقال أن لكل مصطلح معنى مختلفاً عن غيره.
اختلاف المصطلحات ليس مجرد اختلاف في اللهجات أو اللغات أو التفضيلات، بل لكل مصطلح علمي مدلول محدد ومميز عن غيره، حتى وإن بدت المصطلحات ظاهرياً متقاربة أو مترادفة. فلنوضح ذلك بمفردتين في مجال القانون، مثل: الإهمال والتقصير. فالإهمال هو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنّب الضرر، بينما التقصير هو عدم القيام بواجب معين أو فعل شيء بطريقة غير كافية مما يساهم في وقوع الضرر. نلاحظ أن كليهما تؤديان إلى النتيجة نفسها وهي وقوع الضرر؛ لذا ربما يعتقد البعض غير المتخصصين في مجال القانون أن استخدام أيٍّ من هاتين الكلمتين يمكن أن يكون مناسباً، إلا أن الواقع يُظهر أن لكل مفردة منهما طريقة خاصة للتعامل والمعالجة. بنفس المنطق، يقع بعض غير المتخصصين في علم الإدارة في هذا اللبس عند الكتابة أو الحديث، فيخلطون في الاستخدام بين: المدير والقائد، الإبداع والابتكار، التعاطف والشفقة، الاستقلالية والحرية، الجودة والإتقان. وهنا دعونا نوضح معاً الفرق بين مفهوم الجودة ومفهوم الإتقان.
الجودة (Quality) تعني تحقيق مجموعة من الخصائص والسمات في المنتجات والخدمات، بما يتماشى مع معايير وضوابط محددة وقابلة للقياس، لتلبية احتياجات المستخدمين بشكل مستمر ومُرضٍ. في المقابل، يشير الإتقان (Mastery) إلى إتمام العمل بأعلى درجة ممكنة من المهارة والكفاءة والدقة، بحيث يكون العمل خالياً من الأخطاء، ويعكس مستوىً عالياً من الجهد والحرص على أدق التفاصيل. من هنا، يمكننا ملاحظة أن هناك فرقاً جوهرياً ودقيقاً بين الجودة والإتقان، فبينما تُعبر الجودة عن تلبية توقعات المستخدمين وتقديم نتائج مُرضية لهم، يتجاوز الإتقان ذلك ليُعبر عن الكمال والدقة المطلقة، ما يجعله في مرتبة أعلى من الجودة ويتطلب اهتماماً أكبر بالتفاصيل والعمل المتقن دون أي خطأ، وهذا ما يسلط عليه الضوء في عنوان المقال.
تلخيصاً لما سبق، يؤدي استخدام المصطلحات غير الدقيقة إلى سوء فهم الرسالة. فكل مصطلح يحمل معنى مختلفاً عن الآخر؛ فليست كل مصطلحات تؤدي إلى روما أو إلى المعنى نفسه. مثلاً، هناك فرق بين المدير والقائد وبين الجودة والإتقان. فالجودة تعني تحقيق مجموعة من الخصائص التي تضمن تلبية المنتجات والخدمات لاحتياجات المستخدمين، وفق معايير محددة ومدروسة. في المقابل، يعنى الإتقان إتمام الأعمال بأعلى درجة من المهارة والكفاءة والاهتمام بالتفاصيل، ما يضمن خلوها من الأخطاء.
أخيراً، قد يتساءل البعض عن تتمة الموقف الذي بدأ هذا المقال به، فبدلاً من الرد على الشخص الذي علّق على توضيح الفرق بين المصطلحين، ابتسمتُ محترماً رأيه. كما أنني أحترم الجهة الحكومية الموقرة التي اختارتني لتمثيلها في هذه المهمة، وأن هدفي الأول والأخير هو إثراء الحوار وزيادة الفائدة لخدمة المصلحة العليا والصالح العام. فوطننا يستحق منا جميعاً الإتقان والإخلاص والعمل الجاد لتحقيق تطلعاته.