د. محمد النغيمش
أتابع سنوياً حادثة كونية عجيبة، وهي لحظة تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني داخل معبد أبوسمبل، والتي تحدث مرتين سنوياً في الثاني والعشرين من فبراير وأكتوبر، حيث تضيء أشعتها وجه التمثال. هي بالفعل معجزة هندسية برع فيها الفراعنة رواد الفلك وعجائبه.
وتعامدت أشعة الشمس على الكعبة المشرفة في مكة يوم (15 يوليو)، على مقدار 90 درجة ليصبح الزوال صفراً ويختفي ظل الكعبة. وسوف يتكرر الأمر في مايو المقبل. إنه حدث فريد ويمكن أن يروج له إعلامياً للتذكير بعجائب السنن الكونية. وبالمناسبة قد تتعامد الشمس على أماكن عدة حول العالم. ومن الشمس استطعنا اكتشاف بواكير الساعة.
فماذا لو كان لدينا متحف عربي مفتوح يظهر على الأرض تحرك الساعة ويقارنها بمجسم عملاق لحدود الظل. كان العرب وغيرهم يعرفون التوقيت من طول الظل، ففي ساعات النهار يتآكل الظل عند الزوال (مع قرب دخول الصلاة الظهر) ويطول باتجاهات مختلفة في الصباح الباكر وعند الغروب. هذا الموقع يمكن أن يكون مزاراً سياحياً أو تعليمياً.
ومن لطائف التعامد، ما قاله رئيس الجمعية الفلكية في جدة ماجد أبو زاهرة من أنه يمكن للمهتمين «استخدام قطعة من أي نوع مثبتة بشكل عمودي لمراقبة ظلها لحظة التعامد»، حيث يكتشف المرء بأن الاتجاه المعاكس لامتداد الظل يشير مباشرة نحو اتجاه القبلة (مكة) بدقة توازي دقة التطبيقات الرقمية للهواتف الذكية، حسب «سكاي نيوز». هذه المعلومات لم تخدم إعلامياً بشكل جيد في منطقتنا، فالأمر لا يكفيه تصاريح صحافية، بل يحتاج إلى فيديوهات بجميع اللغات تظهر كيف توجد تحت هذه الشمس متعة للناس.
رأينا من يطبخ البيض في مقلاة سوداء يمدها من شرفة شقته! ورأينا من استفاد من «حمى التان» ليبيع أطناناً من مستحضرات تغيير لون البشرة، وسمعنا عن من يمارس الصيد والرياضة المائية والجولات البحرية كلها تحت الشمس التي نشتكي منها. وقد ثبت أن الشمس تطهر الكثير من العناصر البكتيرية وتمدنا بفيتامينات دال.
كنت استغرب أن تبدأ الروايات والقصص الإنجليزية بعبارات من نوع «في يوم مشمس» وذلك في معرض المديح، في حين أننا كعرب نحب الغيم وزخات المطر. غير أنني بعدما عشت في بريطانيا، أدركت أن ولعهم بأشعة الشمس يعود إلى أن الأيام المشمسة لا تتجاوز 16 في المائة من أيام العام، فمعظم أوقاتهم إما غائمة أو ماطرة، وذلك حسب إحصائيات بدأت منذ عام 1930م.
تلك الشمس بلهيبها صارت صناعة، فكنت أرى في معظم المراكز التجارية محلات فيها ما يشبه «التوابيت» تحشر بها الزبونة تحت أشعة معينة ليتغير لون بشرتها إلى الحنطاوية، وكأنها جاءت للتو من سواحل إسبانيا. الإحصائيات تشير إلى أن إسبانيا هي الوجهة السياحية الأولى للإنجليز في الأعوام الأربعة الماضية، والإمارات كذلك وجهتهم العربية الأولى. وكلاهما تجمعهما الشمس الساطعة.
ينتظر المصريون موسم «شم النسيم» العليل بفارغ الصبر، في حين ينتظر الإنجليز «ما يدعون» أنه فصل الصيف الذي سرعان ما ينقلك بلحظة إلى أجواء باردة.
هناك قاعدة في هوس السياحة وهي أن ما يكرهه شعبك تحبه شعوب أخرى. أذكر أننا في إحدى ليالي الشتاء القارس كنا في شاليه على ساحل البحر في الكويت، حيث زارنا روسي ثم قال بعد العشاء أريد أن أذهب إلى البحر، ظننا أنه يقصد التنزه والمشي، ثم وجدناه وقد خلع ملابسه وظل يعوم في مشهد أذهلنا ككويتيين ونحن نرتدي معاطف شتوية. هذه سنة الحياة. فالروسي يفارق شتاءً لا يطاق في بلده إلى ما يبدو أنه ربيع روسي في ربوع الخليج.
عندما كنا نشتكي من الصحراء القاحلة، ومحدودية الثروة الحيوانية فيها، رأينا كيف تمكن تاجر إماراتي من تغليف أفخر أنواع الشوكولاته من حليب الإبل، التي ما زالت من الهدايا النوعية لسياح المنطقة.
كل ما نحتاجه أن ننقب في ثقافتنا عن ما يلفت أنظار السياح للقدوم إلى بلادنا وضخ الأموال في اقتصادنا. ولنا في الشمس خير معين لتسليط الضوء على متعة ما يمكن أن يحدث تحت أشعتها.