أصبحت العلاقات السعودية الصينية في السنوات الست الأخيرة تحديدًا ذات عمق وخصوصية في العديد من المجالات، تضاف إلى هذه المنظومة ما يمكن الاصطلاح عليه «التطور في العلاقات الثقافية التاريخية»، التي عرفتها الحضارتان العربية والصينية قبل نحو ألفي عام، منذ طريق الحرير، وما نتج عنه من تأثير ثقافي متبادل، وتقارب بين الحضارتين العريقتين، وهو ما يتواصل اليوم عبر رؤية السعودية 2030، ومبادرة «الحزام والطريق» !
تلك العلاقات التاريخية تحرص الدولتان على تواصلها واستمرارها عبر العديد من الوسائل والمجالات، وآخرها استضافة الصين للمملكة العربية السعودية في معرض بكين الدولي للكتاب 2024، كضيف شرف، والذي يقام خلال الفترة (19-23 يونيو) الجاري، حيث تتألق وزارة الثقافة السعودية بقيادة هيئة الأدب والنشر والترجمة من خلال جناح مميز، بمشاركة عدد من الهيئات والكيانات ضمن المنظومة الثقافية السعودية، لتعزز تواجدنا الوطني بقوة على الساحة الثقافية الدولية.
وفي السنوات الأخيرة بدأت المملكة، التي تمثل العمق العربي والإسلامي، في دعم التبادل الثقافي مع الصين، من خلال إقامة العديد من الأنشطة الثقافية، لتضع بصمتها العربية الأصيلة، ويمكن الاستدلال هنا ببرنامج «شهر اللغة العربية في جمهورية الصين»، والذي نفذه مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية قبل شهرين تقريبًا على مدار أربعة أسابيع في مدينتي بكين وشنغهاي، ويسعى إلى التعريف بالمجمع وأنشطته في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، والوقوف على جهود المملكة في خدمة العربية وعلومها في أنحاء العالم، والعمل المباشر على تدريب المعلّمين، ورفع كفاياتهم التدريسية، وتحقيق التقدّم في نواتج تعلّم اللغة العربية لديهم !
وهناك مكتبة الملك عبدالعزيز العامة التي أهدت أربع مكتبات متخصصة لتعليم العربية للناطقين بغيرها، فضلًا عن توقيعها عددًا من مذكرات التفاهم مع الجامعات الصينية لدعم تعليم اللغة العربية في الصين، أضف إلى ذلك افتتاحها فرعًا لها في جامعة بكين يضم 3 ملايين كتاب، ومركزًا للدراسات العربية، ومركزًا للمخطوطات، وسعت إلى تأسيس فعاليات ثقافية مشتركة بين البلدين، من أجل تعميق الشراكة الثقافية والمقومات الإنسانية بين البلدين !
والحقيقة أن السعودية استطاعت، من خلال هويتها الثقافية الأصيلة، لفت أنظار الصينيين والآسيويين إلى عمق سعودي جديد لم يعرفوه بشكل دقيق سابقًا، وهو غني بالتفاصيل، ويحمل في طياته إرثًا عريقًا، يُعد خلاصة الحضارة والثقافة العربية، التي أنتجت فكرًا وأدبًا وفنونًا، تعلّم منها العالم قبل مئات السنين.
ما يدعو للفخر والاعتزاز، أن الجناح السعودي في معرض بكين الدولي للكتاب 2024، نجح في تقديم برنامج ثقافي منوّع، يغطي مجالات الثقافة والفن والأدب والمعرفة، ويسلط الضوء على أهم المجالات الإبداعية السعودية المتميزة، والتعريف بها، ويساهم من خلال الأدباء المشاركين ودور النشر المحلية المشاركة، في التعريف بالإبداعات الوطنية، واستحضار الثقافة السعودية العريقة، والتعريف ببلادنا كوجهة سياحية وثقافية مميزة، قادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية !