: آخر تحديث

أسبوع بدون هاتف محمول

25
19
27

حين وجدت عبارة «دع الموبايل وابدأ الحياة»، تتصدر تقريراً على شكل شرائح مصوّرة متتالية منشوراً على موقع «دي. دبليو»، لم يكن بوسعي ألا أن أتذكر كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» من تأليف الأمريكي ديل كارنيجي، ونشر أول مرة في أواخر أربعينات القرن الماضي، لكن طبعاته ما انفكت تصدر، وبمختلف اللغات، والمؤكد أنه كان متاحاً في ترجمة عربية على الأقل منذ نهاية الستينات الماضية، وأقول ذلك بيقين، لارتباط الأمر بحكاية ربما ذكرتها هنا ذات مرة، حين لمحت معلمنا لمادة الرياضيات في المرحلة الإعدادية، الذي كان لبناني الجنسية، وهو يستعير من مكتبة المدرسة هذا الكتاب، ما أثار يومها فضولي، رغم أنه من المفترض أني كنت في تلك السن المبكرة بعيداً عمّا يوصف بالقلق، ولعلني قلت لنفسي حينها: طالما أن المعلم استعاره ليقرأه، فإنه كتاب جدير بالقراءة.

الأرجح أن واضع التقرير المشار إليه، استوحى عنوانه من عنوان هذا الكتاب بالذات، وهو يدعو إلى التحرر من «عبودية» الهواتف المحمولة، مشيراً إلى مساوئها الكثيرة، فرغم ما تفتحه للمرء من آفاق وتسهله له من إنجاز بعض معاملاته الضرورية، لكنها تسبب أضراراً نفسية جديّة، وتدمر جوانب من إنسانية الإنسان، حين تفصله عن حميمية البيئة التي يعيشها، لتعزله في عالم فيه الكثير من الافتراضية. وعدّد واضع التقرير مظاهر أخرى لهذه السلبيات، بينها إفساد العطلات، فبدل أن يوجه المرء حواسه للاستمتاع بها، يقضي وقته يتصفح هاتفه المحمول، مشيراً إلى الضرر الذي يلحقه هذا الإدمان بالعلاقات العائلية، فضلاً عن هوس اقتناء أجيال متتالية من هذه الهواتف، فلا يكاد يمرّ عام حتى تطرح الشركات جيلاً جديداً منها، بمواصفات أكثر جودة وسرعة.

وتبقى المخاطرة الأكبر هي تلك التي تنال من الأطفال والمراهقين. ومرفق بالتقرير صور مختلفة ذات صلة بالموضوع، بينها صورة لتلميذين من إثيوبيا غير ملتفتين إلى بعضهما ولا يلعبان معاً، فيما هما منشغلان بهاتف محمول في يد أحدهما، وهو ما بدأت منظومات تعليمية في بلدان متقدمة تتنبه إليه، وتسعى إلى الحدّ منه، وعلى سبيل المثال فإن كثيراً من المدارس الألمانية تسعى إلى تحرير تلاميذها من عبودية هذه الهواتف، بتنظيم مبادرات، غايتها تعويد هؤلاء التلاميذ على الحدّ من استخدامها، وهو ما تظهره صورة أخرى لتلاميذ وتلميذات فصل في إحدى المدارس الإعدادية بمدينة براون شفيغ بولاية سكسونيا السفلى، امتثلوا لتجربة أطلقتها المدرسة تحت عنوان: «أسبوع دون هاتف محمول»، وسلمّوا هواتفهم لمدرسيهم ومدرساتهم.

«أسبوع بدون هاتف محمول».. شعار جاذب ولافت، لكن لا نعلم إلى أي درجة هو واقعي بالنسبة لنا نحن الكبار. هل بينكم من لديه إرادة ليفعلها، ولو من باب التجربة؟

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد