: آخر تحديث

هل القارئ النهم أكثر إمتاعاً لآذان المستمعين؟

23
21
22

‏كثيراً ما تُناقش قضية المردود المرجو من فعل القراءة، هل المقصود بشراهة القراءة إبهار من حولنا برشاقة عباراتنا، والتباهي بمعلوماتنا، أم نقرأ لمجرد المتعة؟.

القراءة أو الكتاب كما يقول الجاحظ «إن نظرت فيه، أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بيانك، وفخم ألفاظك، وبجَّح نفسك، وعمّر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك».

القراءة لا شك أن لها تأثيراً كبيراً على مجرى حياة الإنسان. ولذلك جاءت أول كلمة في القرآن (إقرأ) من بين نحو 77.430 كلمة. فالقراءة تُجَوّد مفرداتنا كما قيل. وكلما تنوعت وخالطها شيء من الأدب والشعر ومحفوظاته كان ذلك أدعى إلى تحسين الأسلوب المكتوب والشفهي. وهناك شواهد عديدة تؤكد الحديث الشريف: «إنَّ من البيان لسحراً».

إذن القراءة تعيننا على التفرد عن جلسائنا حينما نتكلم، فهي علاوة على ما تمدنا به من معلومات ورؤى وقناعات، فهي تسهم في ترتيب الأفكار، وتحسين الأطروحات، وتمنحنا المقدرة على حسن انتقاء الألفاظ وردود الأفعال البليغة. فمن يقرأ ألف كلمة يومياً، يكون قد قرأ 365 ألف كلمة سنوياً بمعدل 10.950.000 كلمة في غضون ثلاثين عاماً.

هذا بحد ذاته يمنحه معيناً لا ينضب من المفردات والأساليب التعبيرية. «فكم من كلمة قالت لصاحبها دعني» لأنه لم يحسن اختيار ألفاظه. وكم من علاقة تصدعت بسبب سوء التواصل اللفظي.

بعبارة أخرى الألف كلمة يومياً تعادل مساحة ربع صفحة أو يزيد قليلاً من حجم الصحيفة، أو أربع صفحات من كتاب القطع المتوسط، أو ما يقارب ثلاثة صفحات بحجم«A4» التقليدية. فما بالنا من يقرأ ثلاثين صفحة يومياً لا شك أنه سيكون لاحقاً شخصاً مختلفاً في فكره ومداخلاته وتعبيراته خصوصاً إذا كان يحسن انتقاء وتنوع ما يقرأ.

وهذا يجرنا لمسألة مهمة وهي ضرورة تنويع سلة قراءاتنا، ما بين الأدبية والصحافية والمقالات والتاريخية والشعرية فكلها إذا تضافرت قدمت تنوعاً مذهلاً من المعرفة والأسلوب والبلاغة التعبيرية.

لا مانع أن تكون دوافع قراءة ليكتسب الفرد مهارة يؤثر بها على من حوله. لكن الهدف الأساسي من القراءة هو توسيع مدارك الفكر، والبحث والتمحيص في كل شيء ليتكون لدى المرء عقل عميق وراشد يتأمل ما يتناهى إلى ذهنه جيداً قبل أن يطلق أحكامه أو يتخذ مواقف متسرعة. هي باختصار مثل من يشاهد أو يتذوق آلاف الأفلام والأطعمة تتشكل لديه ذائقة مذهلة، مقارنة بمن تعد تجاربه محدودة. وهذا ما تفعل بعقولنا القراءة.

ولذلك تجد أن فرصة القارئ الجيد في أن يكون مؤثراً أكبر من غيره. وهذا لا يعني بالضرورة أن طريق القراءة يضمن التأثير، فما أكثر من يقرأون بنهم لا يجاريه أحد لكنهم يفتقرون لأبسط مقومات التواصل.

فما فائدة أن يكون لدي معرفة أو خبرة طويلة وذوق رفيق لكنني لا أستطيع إيصاله لمن حولي. وهذا أحد تحديات التركيز على مهارة القراءة ونسيان حاجة البعض إلى تطوير مهاراته الاجتماعية والتواصلية، حتى تكون ذخيرته المعرفية أرضية صلبة تنطلق منها سهام التأثير.

ونعود للجدلية الأزلية، لماذا نقرأ أصلاً، الإجابة: حتى نستفيد ونستمتع. وهذا يعني أن كثيراً مما نقرأ قد لا يكون ممتعاً لكنه جوهري في كسب معرفة فنية ومهنية تفيدنا في معترك الحياة والعمل والتجارة. ولذلك تجد الأكثر إلماماً بالموضوع في قاعة الاجتماعات تشرئب له الأعناق عندما يدلي بدلوه في قضية تتطلب تفاصيل لا يدركها من يكتفون بقراءة المانشيتات أو ينشغلون بالقشور عن جوهر المضمون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد