أليس من حقّ المثقف العربي أن يعرف آراء نخبة المفكّرين العرب، في الإنتاج الفنّي؟ بادئ ذي بدء، العنوان ليس من عنديّات القلم، فهو عنوان ندوة شارك فيها ثلاثة من أساتذة الفلسفة وفلسفة الفن، نظّمتها إذاعة فرنسا الثقافية (فرانس كولتور) في بودكاست، (5 إبريل). بثُّها في رمضان أمر لا يخلو من الطرافة، لكثرة الناطقين بالفرنسيّة داخل فرنسا وخارجها. معنى العنوان: مواقف الفلاسفة من المسلسلات.
ثمانٍ وخمسون دقيقة من التشريح والتحليل من زوايا ووجهات نظر مختلفة. من بين الإشارات العابرة، التي لها معنى ومدلول، أن بعض المسلسلات العربية تيسّرت له نافذة نتفليكسية إلى العالمية. «الله أعلم بالسرائر». ليت شعري ما الصحيح.. ذاك هجو أم مديح؟ العبارة ملغّمة باللواذع اللوادغ، كأنهم يغمزون من قناتنا: العالم العربي لا يزال خانقاً لحريات الفكر والرأي والتعبير، فهو يبحث عن مخلّص في «قيمنا الحضارية».
القضية لدينا مختلفة، فنحن نعلم ماذا يُسِرّون وماذا يعلنون، وندرك أن أحوال الإعلام والثقافة في البلاد العربية ليست على ما يرام، فأحوالها محفوفة بالأهوال. لكن، الحل ليس هدم كلّ السدود والحدود، فلن ترضى عنّا أمريكا الشمالية ولا أوروبا، إلاّ إذا تخلّينا عن قيمنا وهويّتنا وثوابتنا. تأمّل ما هم فاعلون مع الرّوس، وهم أقرب إليهم منّا، وأمامك المشهد مع الصين. ليس هذا أصل موضوعنا في الحقيقة، فالمهم الأهمّ هو غياب مفكّرينا عن ساحات الفنون، فهل هم زاهدون في الريادة الثقافية والإعلامية. مسؤوليتهم أكبر من المسؤولية، إنها أمانة ورسالة.
بصراحة، لدينا حركات عجيبة في السلوك الذهني عربيّاً. مثلاً: هل قرأ أحد في يوم من الأيام وجهات نظر نقدية، إيجابية أو سلبية، لكبار المفكرين وأساتذة الفلسفة العرب، تناولوا فيها ما ارتقى وسما، أو ما انحدر وهوى، من الأغاني والمسلسلات؟ نعني مستوى الأعلام الراحلين: زكي نجيب محمود، محمد عابد الجابري، محمد أركون، هشام جعيط، وحشد من الأحياء، نفعنا الله ببقائهم. غريب مريب أن انحطاط الفن في بلاد العرب ظاهرة لا تلفت الانتباه، ولا تزلزل الأدمغة المسؤولة عن الأرصاد والأنواء والهزّات والزلازل الثقافية. ماذا لو دخل الناس الأسواق ذات يوم فرأوا الخضر والفواكه واللحوم كلها متعفّنة؟ ماذا لو فوجئوا بأنابيب المياه لا تدفق إلاّ المياه الملوّثة؟ ماذا لو رأوا الصيدليات والمستشفيات مرتعاً للجرذان؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الإفحامية: الناس أهل عقل ومنطق، فلم يرَ أحد أغنيةً مهترئة بالبكتيريا، أو مسلسلاً ملوّثاً.