شهدت المنطقة العربية، خلال العقود الأخيرة، تطورات سياسية واجتماعية حادة تفرض التساؤل حول مستقبل تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» التي فشل مشروعُها إلى الدرجة التي يمكن معها القول إن لعبة «الإخوان» انتهت. وعلى مدى نحو قرن من الزمن اعتمد «الإخوان» على استراتيجيات مكررة لتعزيز نفوذهم داخل المجتمعات العربية، وكانوا بارعين في التخطيط والتنظيم السري، والتخطيط لارتكاب الحماقات، إلا أن هذه الاستراتيجيات كشفت الجانب الانتهازي في أدائهم، وقادت إلى سلسلة من الحماقات التي فضحت نواياهم الحقيقية، وإلى زيادة سخط الشعوب ضدهم.
وبعد أن منحتهم الشعوبُ والحكوماتُ العديدَ من الفرص للاندماج والتراجع عن الفكر المتطرف، وعن السعي لتشكيل مجتمعات مغلقة، استمروا في العمل على بناء مجتمع موازٍ مناهض للاعتدال، ويستهدف أمن الدول وشرعيتها. هذا النهج أدى إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضدهم في عدة دول عربية، فتم حظرهم وتصنيفهم كمنظمة إرهابية. وظهرت أجيال عربية أكثر وعياً من الأجيال التي كانت عاطفتها تتأثر بأجندة «الإخوان»، وباستغلالهم منابر الخطاب الديني للسيطرة على الوعي واستقطاب أتباع جدد، ونتيجة لهذا التطور يستمر سقوط التنظيمات الإخوانية، بينما أصبحت المجتمعات العربية تفضل في الألفية الجديدة أن تعيش حياةً طبيعيةً، فكرياً واجتماعياً، بعيداً عن خطاب التطرف والتشدد الإخواني. قادة المستقبل في الخليج يدركون جيداً خطورةَ هذا التيار، وجميعنا نتذكر حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ عام 2017، بالإشارة إلى مرحلة ما قبل 1979، وكيف كان المجتمع السعودي يتمتع بالاعتدال، حيث قال: «نريد فقط أن نعود لما كنّا عليه.. الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم.. لن نضيّع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة.. سندمّرهم اليوم وفوراً».
وخلال السنوات الأخيرة حدث تراجعٌ كبير في تأثير «الإخوان المسلمين»، وتمت إحالتهم إلى القضاء وصدرت الأحكام بحق قياداتهم، بما في ذلك السجن المؤبد والإعدام، في دلالة على الرفض القاطع لمشروعهم من قبل المجتمعات والحكومات على حد سواء.
المجتمعات تريد الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح، وترفض التطرف والتشدد الذي يروج له «الإخوان»، وهذه الرؤية تمتد إلى مختلف الدول العربية التي تسعى إلى تأسيس تنمية تقوم على مبادئ الاستقرار والتعايش والتسامح ونبذ التعصب. ومن الواضح أن جماعة «الإخوان» فشلت في استقطاب، أو إقناع الجيل الجديد من الشباب بأفكارها المتطرفة والمنغلقة، لأن الأجيال الحديثة نشأت في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، وفي ظل ارتفاع مستوى التعليم والتأهيل، وبالتالي تتجه نحو التركيز على البحث عن فرص العمل، والنهوض بالحياة الشخصية والعامة، بينما يمثل إصرار «الإخوان» على فرض نموذجهم المجتمعي المنغلق تعارضاً مع المجتمع الحديث، وذلك ما أدى إلى عزلتهم وتقليص نفوذهم بشكل ملحوظ، فالمجتمعات التي تطمح إلى العيش في سلام، وتسعى إلى التنمية والرفاهية لم تعد ترى في «الإخوان» سوى لعبة قديمة منتهية الصلاحية، وقد أصبحت عقبةً يتعين إزالتها.
وأظهرت الإجراءات القانونية والمحاكمات بحق جماعة «الإخوان» وأعضائها وجود إجماع في المنطقة على ضرورة مكافحة التطرف، وعدم التهاون مع من يسعون إلى تقويض أمن واستقرار المجتمعات من أجل تحقيق طموحات عبثية انتهى زمنها. هكذا وصل مشروع المتطرفين إلى طريق مسدود، بفضل الوعي المتزايد لدى الشعوب، ورفضها الأيديولوجيات القائمة على التعصب والغلو، ورفض الاستحواذ باسم الدين على ثروات المجتمعات لتمويل التنظيم الدولي لـ«الإخوان» الذين لا يعترفون بالأوطان ولا يؤمنون بالولاء والانتماء إلا لتنظيمهم. ومَن يفشل في التكيف مع متطلبات العصر ويصر على نهجه المتطرف، سيفتقر إلى المرونة ويحكم على نفسه بالنهاية.