كانت التوقعات، ومن ضمنها توقعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي سوف يعاني من الركود خلال العام الماضي 2023. وهذه التوقعات بنيت على أساس، إن رفع سعر الفائدة سوف يرفع تكلفة الاقتراض بالنسبة للمستثمرين وبالتالي سيحد من نشاطهم. ففي خلال الفترة من مارس 2022 رفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة عدة مرات. وسبب هذا الرفع المتكرر يعود إلى معدلات التضخم غير المسبوقة التي شهدتها الولايات المتحدة، عندما وصلت في منتصف عام 2022 إلى 9%- بل أن بعض السلع ارتفعت أسعارها بنسبة 20%- وهذا أعلى معدل منذ 40 عاماً.
وأدى رفع سعر الفائدة المتكرر على الدولار إلى انخفاض التضخم من ناحية وارتفاع سعر صرف الدولار من ناحية أخرى. وهذا حد من الصادرات بعد ارتفاع تكلفتها لدى المشترين لها في الخارج، ولكنه شجع الواردات. وهذا أثار مخاوف لدى البعض من تكرار ما حدث في عهد الرئيس الأمريكي ريغان، عندما اتفقت الولايات المتحدة عام 1985 مع 3 دول هي: فرنسا، وألمانيا الغربية، واليابان على خفض قيمة الدولار الأمريكي أمام عملات هذه البلدان، من خلال التدخل في أسواق صرف العملات، وذلك ضمن اتفاقية بلازا. الأمر الذي أدى إلى انخفاض سعر صرف الين بنسبة 51% مقابل الدولار.
ولكن المفاجأة، إن رفع سعر الفائدة على العملة الأمريكية منذ عام 2022، لم يؤد إلى الركود لحسن الحظ. وهذا بدورة سوف يغير العديد من التوقعات ويبدد الكثير من المخاوف التي أثيرت العام الماضي. فكما تشير الإحصاءات الأمريكية، فإن اقتصاد الولايات المتحدة قد نما في الربع الرابع من العام الماضي، أي من أكتوبر إلى ديسمبر، بوتيرة وصلت 3.2%. وهذا يأتي بعد نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 4.9% في الربع السابق- و 4.9% معدل مرتفع جداً لاقتصاد ضخم بحجم الاقتصاد الأمريكي.
إن مخالفة الاقتصاد الأمريكي للتوقعات جاءت بفعل 3 عوامل على الأقل، هي: أن العديد من المقترضين الأمريكيين قد سبق وأن اقترضوا الأموال التي يحتاجونها قبل ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير، كما أن التحفيز المالي قد من حد من آثار رفع سعر الفائدة، هذا بالإضافة إلى أن نمو الإنفاق الاستهلاكي، بشكل كبير جراء تراجع معدلات التضخم، قد شجع على توظيف رؤوس الأموال.
ولذلك، فإن الفترة القادمة سوف تشهد انخفاضا لسعر الفائدة على الدولار، ما لم ترتفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة من جديد. فإذا سارت التطورات وفقاً لذلك، فإننا سوف نشهد معدلات نمو مرتفعة لاقتصادنا. فانخفاض سعر صرف الدولار سوف يشجع أسعار النفط على الارتفاع من ناحية، كما أن انخفاض سعر الفائدة على الدولار سوف يؤدي بدوره إلى انخفاض سعر الفائدة على الريال، الأمر الذي سوف يشجع على نمو النشاط الاستثماري في المملكة، خصوصاً مع تراجع معدلات التضخم وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.