آفة هذا العصر والمشكلة التي تؤرق الجميع حالاً هي الاستخدام المفرط لجهاز الهاتف بما يتضمنه من إنترنت وتواصل اجتماعي وبرامج اتصال وتفاعل جعلت الواحد منا مرتبطاً بهذا الجهاز ساعات طويلة، حتى لو كانت متفرقة لكنها تشكل في المجمل وقتاً لا بأس به يحتل اهتماماته ويؤثر على سلوكه.
نحن اليوم أمام تحول جديد ومخيف يسمى إدمان الهاتف جعل الناس تسير بمركباتها على غير هدى وتجلس مع بعضها دون أن تتبادل الحديث منشغلة بالتحديق في شاشات أجهزتها، فلا قواعد ولا قوانين ولا حتى أخلاقيات باتت تحكم هذا الاستخدام، الذي طال الصغار والكبار وسيطر على تصرفاتهم، لدرجة أن كثيراً منهم بات يستخدم الهاتف قبل نومه وهو على السرير وهناك من يناظره حتى خلال وجوده في دورات المياه.
قبل سنوات أطلق اختصاصيو الطب النفسي مصطلحاً جديداً يتعلق بحالة إدمان الهواتف الذكية وهو «رهاب نوموفوبيا»، وليس رهاب الهاتف المحمول، لأنه ببساطة لا يمثل الخوف من الهاتف المحمول كجهاز بل الخوف من عدم وجود هاتفك معك، وهو ما نراه اليوم من حالات تنتاب المحيطون بنا في حال نسيانهم هواتفهم في المنزل أو انقطاع الإنترنت، بل إن الأرقام المرصودة مخيفة، حيث تشير الدراسات إلى أن صاحب الهاتف الذكي العادي يفتح هاتفه 150 مرة في اليوم، وربما أكثر لمتابعة ما يصنفه كمستجدات بالنسبة له لا بد من مواكبتها.
الإحصائيات أكدت أيضاً، أن 66% من سكان العالم تظهر عليهم علامات «رهاب نوموفوبيا»، و71% منهم ينامون عادة مع هواتفهم المحمولة أو بجانبها، و75% منهم يستخدمون هواتفهم المحمولة في المرحاض، وأن 2 من كل ثلاثة أشخاص مدمنون على هواتفهم، وذلك بسبب زيادة قدرها 39% في عدد الساعات التي يقضيها الأشخاص في استخدام هواتفهم الذكية، وتلك الأرقام تتزايد باستمرار ترافقها تصرفات كانت غريبة وتحولت إلى سلوك يومي كالانشغال بغير الطريق الذي نراه في شوارعنا يومياً.
اليوم وحسب الدراسات وما نراه على أرض الواقع، بل نمارسه نحن كأفراد لا يستطيع 68% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، إبعاد أيديهم عن هواتفهم الذكية لمدة ساعة متواصلة، وإن أرغموا على ذلك سينتابهم شعور أنه يجب التحقق ما إذا كانت كارثة قد حدثت خلال تلك الساعة.
علينا الانتباه لما نفعل وإعادة النظر في هذا السلوك المتنامي، الذي تأثرت به كثير من المجالات من أبسطها نظام المرور وعلاقاتنا الاجتماعية، فالتوازن مطلوب والانتباه للمشكلة يمثل البداية لإيجاد حلول لها، حتى لا نقع ضحية إدمان العصر.