: آخر تحديث

"المشكل" فى المدنية والحداثة

7
8
7

غمرتنى السعادة البالغة جداً خلال استضافة مؤسسة الوفد الإعلامية للمفكر الكبير عبدالجواد يسن، فى ندوة حوارية رائعة، بمشاركة عدد من أصحاب الفكر والرأى، وتم تناول العديد من القضايا المهمة حول الدولة الوطنية المدنية، وفى هذه الندوة تم التركيز الشديد على نشأة الدولة المدنية، وتفكيك الخطاب الأصولى، الذى يعد عدواً لدوداً لفكرة الحداثة والدولة المدنية. والمعروف أن المفكر الكبير عبدالجواد يسن له باع طويل فى تفكيك الخطاب الأصولى الذى عرقل كثيراً مشروع الدولة المدنية والحداثة. وفى مقارنة سريعة بين دستورى عام 1923 و2014، وجدنا أن دستور «23» جاء فى توقيت بالغ الأهمية، حيث كانت الحركة المدنية فى أوج قمتها، وجاء الدستور مواكباً لذلك تماماً، أما دستور 2014 فيعد تعديلاً لدستور 2012 الذى وضعته جماعة الإخوان، إضافة إلى أن هذا الدستور كرس بطريق غير مباشر لفكرة الأصولية، وأحال مواد دستورية إلى أخرى بالدستور، ما يناهض تماماً فكرة المدنية والحداثة.

كما أن الدستور الحالى «2014»، تضمن مواد انفعالية كثيرة، قد يكون السبب فيها هو الحالة الثورية التى شهدتها البلاد بعد ثورة 30 يونيو. ولا يخفى على أحد أن فكرة الأصولية- السلفية، كانت ضمن الذين أعدوا هذا الدستور، وبالتالى فإن تفكيك الفكر الأصولى بات معطلاً، والحقيقة الغائبة لدى الكثيرين هى أن الفكر الأصولى واحد سواء كان عند السلفيين أو جماعة الإخوان أو الجماعة الإسلامية أو أية جماعات أخرى. وبالتالى فإن فكرة الأصولية تضم كل التيارات بلا استثناء، وستظل عائقاً كبيراً أمام فكرة المدنية والحداثة والليبرالية.

ويظل «المشكل» كما يرى المفكر الكبير عبدالجواد يسن يحتاج إلى ثلاثة أمور بالغة الأهمية وهى دور الوعى الجمعى لدى الجميع بأهمية المدنية والحداثة، ودور الدولة فى أهمية الخروج من نفق الأصولية المظلم، ودور المفكرين أنفسهم، وفى هذا الإطار لا بد من تغيير شامل لمناهج التعليم المعمول بها حالياً التى تكرس لفكرة الأصولية، إضافة إلى أهمية استغلال الفن فى تفكيك الفكر الأصولى الذى لا علاقة له بالأديان السماوية، لأن العلاقة بين المرء وربه علاقة فردية ولا تحتاج إلى أى نوع من الكهنوت الدينى، لأنه مع عظيم الأسف الكل يسبح فى فلك تاريخ الأديان، وليست الأديان ذاتها.

ويظل «المشكل» المهم فى هذه الأزمة أمراً قائماً يحتاج إلى الكثير من الأدوات حتى تنجح فكرة المدنية والحداثة والمواطنة، وضرورة التخلى تماماً عن الفكر الأصولى الذى يقف بالمرصاد للمواطنين والحداثة ويمنعها بشتى الطرق والوسائل، حتى يظل الجميع أسرى الأصولية بشكل مخيف ومدمر للمدنية والتطور الذى هو الأساس منذ نشأة الخليقة حتى الآن. فالمجتمعات فى الأصل قائمة على التطور والتحديث لصالح البشر فى المقام الأول، وهو ما يتنافى تماماً مع فكر الأصولية الذى يسبح فى التراث وتاريخ الأديان وسطوة الكهنوت الدينى.

أكرر شكرى للمفكر الكبير عبدالجواد يسن الذى سعدت به مؤسسة الوفد الإعلامية فى ندوة فكرية من أروع ما شهدت المؤسسة على مدار تاريخها الليبرالى الذى يهتم بالمدنية والحداثة والمواطنة، وأقدم الشكر أيضاً للزميل مصطفى عبيد رئيس التحرير التنفيذى الذى كان وراء استضافة المفكر الكبير، وإدارته الرائعة للندوة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد