معظم الدراسات العلمية تؤكد وجود علاقة مفصلية بين تناول الوجبات السريعة والغباء، وقد نشرت صحيفة الوطن السعودية، في 15 فبراير الجاري خبرا عن هذه الاشكالية، واحالت الى دراسة حديثة اجرتها جامعة هارفارد الاميركية، لتأكيد وجهة نظرها، وقائمة الأكل الجاهز طويلة، وكلها تدخل في مفهوم (الفاست فود) الذي كرست نموذجه ثقافة الاستهلاك الاميركية، والمختصون يعتقدون بتأثيراته غلى وظائف الدماغ والذاكرة، ودرجة الهوس به رغم مخاطره وصلت الى حد قيام شخص اميركي اسمه دون غورسيك، بالمواظبة على تناوله لمرتين في اليوم وبشكل متواصل، ما بين عامي 1972 و2016، وقد ادخله ذلك الى موسوعة غينيس، بعد تناوله لـ28 الفا و788 وجبة سريعة خلال 46 عاماً، وتصرفه يظهر ان هذه الاطعمة ليست طبيعية، فالشخص في حالة الاكل العادي، لا يستطيع الاستمرار على نوعية واحدة لمدة طويلة، الا اذا كان مضطرا.
الظهور الاول للوجبات السريعة بدأ في أيام العهد الروماني، وحدث هذا بلف قطع اللحم المجفف في الخبز على عجالة، وما سبق يمثل الساندويتش في شكله الأول، وجاءت الحربان العالميتان لتعزز فكرة الاكل الجاهز، فقد كان الطبخ رفاهية غير ممكنة في تلك الظروف، والمطاعم السريعة بصورتها الحالية بدأت في منتصف الاربعينات الميلادية، نتيجة لتراجع الطبخ المنزلي، بفعل دخول المرأة الكبير الى سوق العمل العالمي، وانشغالها بمهامها خارح المنزل، ما زاد من الاعتماد على الوجبات السريعة، وقد استطاعت هذه الوجبات من الوصول الى الفضاء في 2001، وتحديدا الى محطة الفضاء الدولية، وبقيمة قاربت المليون دولار.
مبيعات الأكل في مطاعم الوجبات السريعة تصل، في المتوسط العالمي، الى 750 مليار دولار، ومكاسبها تأتي من استثمارها في الطريقة التي تعمل بها كيمياء المخ، واعتمادها في تراكيبها على تحفيز افراز مادة الدوبامين، التي ترفع من معدلات السعادة، وبطريقة تشبه تأثير المواد الافيونية كالهيروين والمورفين، والوجبات السريعة مدمرة من الناحية الصحية، وتتحمل مسؤولية وفيات السمنة السنوية، التي وصلت في 2016، الى مليونين و800 الف شخص، ومن الادلة على وجود رابط، الفيلم الوثائقي (سوبر سايز مي) الذي صدر في 2004، وفيه سرد لتجربة واقعية قام بها الاميركي مورغان سبورلوك، وحرص فيها على أكل كل وجباته السريعة من علامة تجارية معروفة، ولمدة شهر كامل، وكانت النتيجة تغيرا في حالته المزاجية، وزيادة وزنه عشرة كيلو غرامات، مع انه مارس المشي اليومي بانتظام وبمعدل خمسة آلاف خطوة، ولم يتخلص من هذا الوزن، الا بعد حمية لاحقة لخمسة اشهر.
30% من سكان الشرق الاوسط يعانون من سمنة الوجبات السريعة، وغالبية هؤلاء موجودون في دول الخليج بما فيها المملكة، والكويت تتصدر القائمة الخليجية، ومعدل السمنة فيها يصل لثلاثة اضعاف المعدل العالمي، والالتزام بوجبة سريعة واحدة في الاسبوع، يرفع من احتمالية الاصابة بالنوبات القلبية بنسبة 50%، واذا زاد العدد الى ثلاث وجبات ارتفعت النسبة لـ80%، والنظام الغذائي القائم على الوجبات السريعة، في رأي العارفين، يخفض من متوسط اعمار الناس بحوالي 7 الى 12 عاماً، ومعظم ما يؤكل هذه الايام يدخل في خانة الاكل السريع والمصنع وغير الطبيعي، وان لم يأخذ المظهر المتعارف عليه للأطعمة الجاهزة.
الوجبات السريعة ليست كما تبدو، فاللحم الذي يصنع منه البرغر، يتكون بصفة اساسية من اللحوم المتبقية من ذبح الماشية، وذلك بعد معالجتها وتشكيلها، وقطعة البرغر الواحدة قد تحتوي على لحوم مأخوذة من 100 بقرة، والأمر لا يختلف في قطع الدجاج المقلية الخالية، في الاساس، من لحم الدجاج، وليس فيها الا دهونه وعظمه وانسجته، ووزارتا الصحة والشؤون البلدية وهيئة الغذاء والدواء عليها أن تكثف من مراقبتها لمحتوى هذه الوجبات، للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك الآدمي وسلامتها على الناس، وتخرجها من دائرة الشبهات، لانها علامات تجارية مشهورة محلياً أو عالمياً، ومثل هذا النوع من الثقة المبالغ فيها مدعاة للتلاعب والفوضى.
كل دولار تنفقه منظمة الصحة العالمية لمعالجة امراض الوجبات السريعة، تنفق مقابله شركات هذه الاطعمة ما يصل الى 500 دولار، ومن الشواهد انه في 1980، قبل دخول الوجبات السريعة الاميركية الى الصين، كانت نسبة الصينيين المصابين بالسكري من النوع الثاني لا تتجاوز 1%، وفي 2013 وصلت النسبة الى 13%، ويوجد في الصين، في الوقت الحالي، اكثر المصابين بالسكري من النوع الثاني في العالم وعددهم 129 مليونا، بالاضافة الى انفاق الشركات قرابة 20 مليار دولار سنويا، على محسنات الطعم، حسب احصاءات 2004، والمحسنات تستخدم لاخفاء مذاق الاطعمة الحقيقي، الذي قد لا يستطيع الشخص تقبله بدونها، بخلاف انها تؤدي الى احتباس السوائل في الجسم، وما يصاحبه من مشاكل، ولا بد من تشريعات لحماية السعوديين من مخاطر الأكل السريع، ومعها تخصيص مادة عن سلامة الغذاء في التعليم العام والجامعي، مثلما تفعل اميركا واوروبا واستراليا.