: آخر تحديث

النرويج.. وأهمية استمرار مساعدات الأونروا

12
14
11

بعد نحو أربعة أشهر من الحرب، أصبح الوضع في غزة كارثياً. إذ نزح أكثر من 75% من سكان المنطقة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة. وقُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينهم الكثير من الأطفال. والأمم المتحدة تحذر من أن المجاعة وشيكة، بينما تنتشر الأمراض المعدية. لذا فإن الافتقار إلى الرعاية الصحية يجعل الأمور في وضع حرج.
في هذا المشهد، تعد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أو الأونروا، شريان الحياة الرئيس لسكان غزة. يبلغ عمر هذه الوكالة 75 عاماً تقريباً، ويتم تمويلها بالكامل تقريباً من المساهمات الطوعية. والآن، أعلنت 15 دولة على الأقل، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقف التمويل للأونروا، في انتظار التحقيق، بسبب تقارير المخابرات الإسرائيلية التي تفيد بأن عشرات من العاملين فيها شاركوا في الهجوم الإرهابي على إسرائيل يوم 7 أكتوبر.
ولكن الآن هو بالضبط الوقت الخطأ لوقف تمويل الأونروا. وتصرّ النرويج بقوة على الالتزام بمواصلة تمويل هذه الوكالة الحيوية وللشعب الفلسطيني. وبوصفي وزيراً للخارجية النرويجية، فإنني أحث الدول المانحة على التفكير في العواقب الأوسع نطاقاً التي قد تترتب على قطع خدمات الأونروا.
وإذا لم يتم التراجع عن هذه القرارات، فإننا نواجه خطراً جديا ًيتمثل في تفاقم الأزمة الإنسانية الأليمة في غزة. وبما أن الأونروا تدعم أيضاً ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، فإن وقف المدفوعات قد يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة للغاية بالفعل.
ومع ذلك، يتعين على العالم أن يستمر في تمويل الأونروا لأسباب أكثر من مجرد أسس عملية. ولا ينبغي لنا أن نعاقب الملايين من الناس بشكل جماعي بسبب الأفعال المزعومة التي ارتكبها عدد قليل من الناس.
إن النرويج، مثلها في ذلك كمثل الدول المانحة الأخرى، تشعر بالفزع إزاء المزاعم القائلة بأن 12 من موظفي الأونروا البالغ عددهم 13 ألف موظف في غزة كانوا متورطين في الهجوم الإرهابي ضد إسرائيل، وهو الهجوم الذي قمنا بإدانته بأشد العبارات الممكنة. ولا يجب أن يكون هناك أي قدر من التسامح مع أي من هذه الإجراءات. ولذلك فإننا نرحب برد المفوض العام للأونروا «فيليب لازاريني» بإقالة الأفراد المتهمين والبدء في التحقيق. وتتوقع النرويج الشفافية الكاملة. وإذا تم التحقق من هذه الادعاءات، فيجب محاسبة المتورطين في الهجوم.
لكن تعليق التمويل لوكالة رئيسة تابعة للأمم المتحدة بسبب السلوك المزعوم لاثني عشر موظفاً ليس هو الحل. إذا ارتكب بعض أعضاء قسم الشرطة جريمة، فسيتم محاسبة هؤلاء الأفراد، وليس حل قوة الشرطة بأكملها. ويجب علينا أن نميز بين ما قد يكون أفراد قد قاموا به، وبين ما تمثله الأونروا.
منذ تأسيس الأونروا في عام 1949، قامت بتوفير الخدمات الأساسية والتعليم والملاجئ والبنية التحتية للمخيمات والمساعدة الطارئة للأشخاص الذين فروا أو طردوا من منازلهم في حرب عام 1948 التي أعقبت قيام إسرائيل. في ذلك الوقت، كان عدد اللاجئين حوالي 750.000. واليوم، وبعد مرور أربعة أجيال، فإن حوالي 5.9 مليون لاجئ من فلسطين مؤهلون، للحصول على خدمات الأونروا في جميع أنحاء المنطقة.
منذ أن بدأت هذه الحرب، واصل موظفو الأونروا في غزة، ومعظمهم من الموظفين المحليين، أداء خدمات الإغاثة في ظل ظروف قاسية ومع تعرضهم لخطر يومي على حياتهم. لقد دفعوا، مثل كثيرين آخرين، ثمناً باهظاً: فمنذ 7 أكتوبر، قُتل أكثر من 150 موظفاً في الأونروا.
تعد النرويج، وهي بلد صغير نسبياً، واحدة من أكبر الجهات المانحة للأونروا، حيث تعهدت العام الماضي بمبلغ 45 مليون دولار - وهو مبلغ لا يزال أقل بكثير من الولايات المتحدة. لقد جعلت النرويج من عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أولوية منذ المفاوضات التي أدت إلى أول اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي تم التوقيع عليه في عام 1993. وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، ترأست النرويج مجموعة مانحة دولية لفلسطين، مع التركيز على دعم إنشاء المؤسسات الفلسطينية، التي تعتبر أساسية لإقامة الدولة الفلسطينية.
لم يختر ما يقرب من ستة ملايين فلسطيني أن يعيشوا حياتهم كلاجئين. وأنا على قناعة بأنهم، مثلنا مثل بقيتنا، يفضلون الحياة في بلد يمكنهم أن يعتبروه بلدهم. تقع مسألة مصير اللاجئين الفلسطينيين في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن بعد مرور 75 عاما، لا يزال الحل السياسي بعيد المنال. إن التوصل إلى حل عادل ومنصف سيكون شرطاً أساسياً للسلام وحل الدولتين، بالنسبة لإسرائيل وكذلك للفلسطينيين.
إن الأونروا هي أكثر بكثير من مجرد منظمة إنسانية. وهي تمثل التزاماً من جانب المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين. وتعد عملياتها أيضا حاسمة بالنسبة لوجود المنظمات الإنسانية الأخرى في غزة.
نحن بحاجة إلى زيادة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة التي مزقتها الحرب وليس التقليل منها. وفي الواقع، وفي المحادثات الجارية حول اتفاق محتمل لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين، إلى جانب وقف مستدام للأعمال العدائية، فإن تحسين وصول المساعدات الإنسانية يعد قضية رئيسة. ولكي ينجح هذا الأخير، نحتاج إلى أشخاص على الأرض قادرين على الإنجاز. إن استبدال البنية التحتية الداعمة الواسعة للأونروا بقنوات بديلة، كما اقترح منتقدو الأونروا، سيستغرق الكثير من الوقت.
ولذلك فإنني أقول لزملائي المانحين: نحن بحاجة إلى أن نطالب بالشفافية والمساءلة من الأونروا. ولكن لا ينبغي لشعب غزة واللاجئين الفلسطينيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط أن يدفعوا ثمن تجاوزات الأفراد. لا يمكننا أن نتخلى عن الشعب الفلسطيني الآن.

وزير خارجية النرويج
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد