هذا ليس سؤالاً جديداً، لكن لا بأس من العودة إليه ونحن نودع عاماً انقضى ونلج عاماً جديداً أتى. حتى أن كتاباً في العام 2016، صدرت ترجمته إلى العربية بعد ثلاثة أعوام، حمل عنوان: «هل افضل أيام البشر قادمة؟»، حوى مجموعة مناظرات جمعت أربعة من المفكرين، تناولوا فيها مستقبل العالم من زوايا عدة، بينها العلم والدين والتنوير والعقل والعقلانية والتكنولوجيا والفلسفة والأخلاق والسياسة والفرد والمجتمع والبيئة، وجرى تناول كل ذلك من منظور فلسفي.
وتخلص المناظرة التي حمل الكتاب اسمها إلى خلاصة متفائلة، ويبني ستيفن بيكر، أحد المشاركين في المناظرات الذي يتبنى وجهة النظر هذه، إلى أن الأخبار السعيدة موجودة جنباً إلى جنب مع الأخبار السيئة، ويكاد يُحمّل الصحف والإعلام عامة مسؤولية التركيز على «الأخبار السيئة»، ويتجاهل نقيضها، الأخبار الجيدة، «فالصحفيون يُغطون سقوط الطائرات وليس الطائرات التي تقلع، فما دامت الأشياء السيئة لم تختف من كوكب الأرض، فسيكون هناك دائماً عدد كاف من الأخبار السيئة لملء نشرات الأخبار، والناس سيعتقدون، كما فعلوا لقرونٍ من الزمان، أن العالم ينهار».
واضح أن هذه جرعة مبالغ فيها من التفاؤل. فالأمر لا يتصل بطائرات تحمل الركاب عددها محدود تسقط أحياناً، وإنما بطائرات تقذف حمماً وصواريخ وقاذفات تُدّمر مدناً عامرة عن آخرها، وتقتل ساكنيها، وتصيب آخرين منهم بجروح بليغة، قد تبقيهم مقعدين ما تبقى من حياتهم إن قدّرت لهم النجاة من الموت، ويتصل بتهجير مئات الآلاف، بل والملايين من البشر من مدنهم وبلداتهم إلى مخيمات العراء، ولنا في ما تفعله طائرات إسرائيل الحربية وما يقترفه جنودها من فظائع في قطاع غزّة خلال الشهور الماضية الدليل الأبلغ.
وحرب غزّة ليست الحرب الوحيدة في وقتنا الراهن. هناك حرب ضروس تدور بين أوكرانيا وروسيا منذ أكثر من عامين، ويتكبد الجانبان خسائر فادحة في الأرواح. وكما أن العدوان الجاري على غزّة يمكن أن يتحول إلى حرب إقليمية في أي لحظة، فإن النزاع في أوكرانيا مرشح بدوره لأن يتحول إلى حرب أوسع في أوروبا، وما هاتان الحربان إلا مثالان على أن الأخبار السيئة، وفق تعبير صاحبنا، الطاغية على الأخبار غير السيئة، ليست من صنع الصحافة أو الإعلام، وإنما هي وقائع دموية، حقيقية، تكاد لا تترك مساحة لما وصفه ب «الأخبار الجيدة»، يضاف إلى ذلك تحديات البيئة والمناخ وانتشار الفقر والمجاعة على المستوى الكوني.
لكن كل هذا يجب ألا يعني أن نغلق أي مساحة للأمل. البشر قادرون، إن احتكموا للعقل ولمبادئ الحق والعدل والمساواة والنزاهة، على دفع العالم ليكون أفضل، فهل يفعلون؟