: آخر تحديث

روسيا وتحدي الحدود الفنلندية

18
15
18
مواضيع ذات صلة

يعد انضمام فنلندا لـ«الناتو» هو الأسرع في تاريخ الحلف لتصبح بذلك العضو الـ 31 في حلف شمال الأطلسي، وفرض حصار متقدم كوسيلة ردع استباقي لطموح الأمة الروسية، والتي تملك حدوداً مشتركة مع فنلندا تمتد لأكثر من 1300 كم، وهو ما سيؤدي إلى إعادة تمركز وحشد للجانبين على طول خط تلك الحدود في تحدٍ صارخ لبوصلة التوجهات والمستهدفات الروسية، لا سيما أن روسيا اليوم تخوض حرباً على الجانب العسكري والدبلوماسي والاقتصادي معاً. وفي ظل تلك المعطيات، لا يعتقد أن المشهد قد يسفر عن فتح جبهات صراع إضافية، خاصةً أن هناك مواجهة غير مباشرة مع روسيا تصفيتها من كل مناطق نفوذها الحيوي في العالم، وربما يتم فتح بوابة جحيم الهجرة غير الشرعية ودخول التنظيمات الإرهابية إلى الداخل الفنلندي والأوروبي ككل، والضغط على أسواق الطاقة العالمية لتفقد توازنها إلى جانب اللعب بورقة بعض السلع الأساسية لشعوب العالم، ويبقى السؤال هنا: هل ستفوق مزايا الجانبين مخاطرهما الاستراتيجية؟ 
عملية قيام «الناتو» ببناء قواعد عسكرية على الحدود من جهة فنلندا يشكل تهديداً مباشراً وصريحاً للأمن القومي الروسي، وهو ما جعل فلاديمير بوتين يلوّح عدة مرات باستخدام الردع الاستراتيجي النووي، بعد أن انتقل الفنلنديون من مواقف عدم الانحياز الرامية لجني فوائد الغموض الاستراتيجي إلى موقف علني ورسمي يقف في صف تعزيز الجناح الشرقي لحلف «الناتو»، وزيادة الدفاعات الجماعية في شمال أوروبا، حيث زادت عضوية فنلندا من حدود الناتو مع روسيا بأكثر من الضعف، وذلك من خلال إضافة الحدود الفنلندية الروسية إلى الحدود السابقة البالغ طولها 1213 كيلومتراً بين روسيا وأعضاء الناتو «لاتفيا وإستونيا وبولندا وليتوانيا»، ولربما تشكل الحدود الفنلندية الروسية المضافة حديثاً ضعفاً كبيراً ومسؤولية كبيرة لحلف «الناتو»، والذي قد يضطر إلى الدخول في حروب الوكالة الهجينة والنزاعات المسلحة غير النظامية، وتسخير التقنيات الحاسوبية والخوارزميات المتقدمة ضده وشن هجمات سيبرانية قادرة على اختراق كل خطوط الحماية والدفاع المتوفرة، وكيف ستكون ردة فعل الشعوب الأوروبية التي ستدخل في دوامة فقدان الأمن والشعور بعدم الاستقرار، وارتفاع غير مسبوق للأسعار والمعيشة وأزمة طاقة حادة مطولة! 

وجود فنلندا في «الناتو» سيعطي الفنلنديين حماية حدودية أكثر قوة، ولكن نجاح أو فشل القوات الروسية في أوكرانيا سيتحول إلى إجراءات معاكسة ضد فنلندا بما أنها تشارك حالياً في عملية المراجعة، ومفهوم القدرات التشغيلية لتحديد أفضل السبل لدمج القوات العسكرية الفنلندية في إطار «الناتو»، كما تشارك فنلندا الآن في برنامج قدرة النقل الجوي الاستراتيجي، ويعتبر نضوج العلاقة العسكرية وتلك الأنشطة المتزايدة بالقرب من روسيا نقطة تحول في زيادة توتر العلاقة بين فنلندا وروسيا مما سيزيد التوتر على طول الحدود، ولا سيما أن زيادة مستوى أمن دولة ما على حدود دولة جارة لها سيؤدي إلى تقليل أمن الدولة الأخرى.

فنلندا تبني سياجاً حدودياً بطول 200 كيلومتر ورفعت جودة التدابير الأمنية من خلال الاستفادة من الوصول إلى تقنيات «الناتو»، مثل خدمات الأقمار الصناعية المحسنة والوصول الكامل إلى مركز دمج الاستخبارات التابع للحلف. وهذه القدرات المتقدمة - بما في ذلك الحاجز الحدودي - تزيد من معضلة روسيا الأمنية في ظل العقيدة الروسية الراسخة بأن الحدود الروسية الوحيدة الآمنة هي تلك التي يقف فيها جندي روسي على كلا الجانبين، ولذلك قامت روسيا بدورها بتطوير ترسانتها الحدودية وأضافت لها أسلحة حديثة ومتقدمة للغاية براً وبحراً، وإن كانت روسيا في سبتمبر من سنة 2016 قد نقلت نظام صواريخ مضاد للطائرات من طراز S-400 بالقرب من الحدود الفنلندية رداً على محادثات الرئيس الفنلندي الأولية للانضمام إلى «الناتو»، لك أن تتخيل الآن ماذا ستكون ردة فعل روسيا اليوم بعد أن أصبحت فنلندا عضواً في حلف شمال الأطلسي! وفوائد لا حصر لها للحلف بما في ذلك تحسين الدفاع الجماعي والردع والتوسع التشغيلي. 

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد