كالعادة وعلى مدى 8 دورات من «مهرجان الجونة» تُعرَض في الفعاليات أفلامٌ استثنائية مرصعة بأهم الجوائز، «سعفة» كان، و«دب» برلين، و«أسد» فينيسيا، وغيرها، نكتشف أن من يسرق الكاميرا على «السوشيال ميديا» هو الحديث عن «فستان» مايا دياب أو صبا مبارك أو نيللي كريم، على سبيل المثال، لأنه لا يمكن الحصر.
هذه المرة أخذ قسطاً وافراً من الاهتمام وبالأحرى الاستهجان «استاند آب كوميدي» قدمه النجم الشاب طه دسوقي لم يستوعب كُثر، خاصة من الزملاء الذين يعملون بالصحافة، طبيعة هذا النوع الساخر، من الأداء، الذي يعتمد على المبالغة.
بدأ طه بالسخرية من الأخوين ساويرس (نجيب وسميح)، ومن المهرجان الذي قال إن أسباب إقامته لا علاقة لها أبداً بالثقافة أو الفن أو الترفيه، ولكنها تسويقية بحتة، من أجل بيع شقق وقصور أقامها الأخوان في «الجونة».
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها السخرية من المهرجان، ومن مؤسسيه، سبق وأن شاهدنا قبل ثلاثة أعوام أيضاً في افتتاح المهرجان، «اسكتش» يحمل انتقاداً لاذعاً، مشبِّهاً أحداثه بمهرجان «المزاريطة» في مسلسل «الكبير قوي»!
أغلب الزملاء الغاضبين، تعاملوا مع العرض باعتباره يقدم وجهة نظر في الصحافة الفنية، متجاهلاً مواقفها المشرفة في حماية حرية التعبير، والتبشير بالمواهب الجديدة وبينهم قطعاً طه دسوقي.
الرجل التقط خيط الأخبار التافهة التي تنتشر في الجرائد والمنصات، وتلقى رواجاً، وندرك أن عدداً من المواقع الصحافية تحقق نجاحاً زائفاً بنشر تلك الأخبار.
من ينتمي لـ«صاحبة الجلالة» عليه ألا يضيق ذرعاً بالنقد، حتى لو شابه المبالغة، هذا وارد جداً ومباح أيضاً في «الاستاند آب كوميدي»، لو نزعنا عنه هذا المذاق سوف يبدو فاتراً ومملاً. أتذكر قبل نحو 19 عاماً أن عدداً من الزملاء طالبوا مجلس إدارة نقابة الصحافيين بالتدخل لمصادرة فيلم «عمارة يعقوبيان»، لأنه قدم شخصية رئيس التحرير في صورة سلبية، وكادت النقابة أن تتورط في الدخول على الخط، بإقامة دعوى قضائية ضد الفيلم، لتصبح هي فوهة المدفع الذي يوجه قنابله، لاغتيال حرية التعبير.
كم مرة مثلاً سخرت الصحافة من مستوى أفلام السينما المصرية، ومن تردي حال الأغنيات، فهل معنى ذلك أن تنتفض مثلاً النقابات الفنية مذعورة، وتطالب بتوقيع أقصى العقوبات على الصحافيين لأنهم مارسوا حقهم في النقد؟
لماذا صرنا نضيق ذرعاً بتقبل الآراء، وفقدنا - للأسف - ميزة كانت تشكل أحد أهم ملامح الشخصية المصرية، أقصد «روح الدعابة»؟
يبدو الأمر وكأنه ثأر قديم بين الصحافة والوسط الفني، يجب أن نذكر، ومن واقع خبرتي الممتدة في الحياة الصحافية على مدى يقترب من نصف قرن، أن الصحافي حيث يضع نفسه، هل تتذكرون هذا المشهد في فيلم، «لعبة الست» بطولة نجيب الريحاني وتحية كاريوكا، عندما سأل الصحافي تحية، قائلاً: «أين ترعرعت سيدتي»؟ فهو هنا يعبر عن صحافة تقدم دعاية فجة للنجوم، وهي ظاهرة نلاحظها منذ الثلاثينيات وحتى الآن، مثلاً كانت المطربة القديمة منيرة المهدية تستخدم أحد الصحافيين لاغتيال أم كلثوم معنوياً، فكان ينشر أخباراً «مفبركة» ومدفوعة الأجر أيضاً للنيل من شرف أم كلثوم.
كل هؤلاء كانوا فاعلين، ولا يزال لهم أحفاد يمارسون الصحافة، لا توجد مهنة ولا إنسان بمنأى عن النقد، لا أحد من حقه أن يرفع لافتة مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب والتصوير»!