ماجد قاروب
«فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ»، توجيه رباني واضح وصريح وتنوع في قوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا» حيث جرى ذكر اليتيم في القرآن الكريم في 23 موضعا، وفي السنة جاء قول النبي : «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى».
قوة أي مجتمع تقاس بمدى رعايته لأضعف أفراده ، فاليتيم رمز للضعف والبراءة في المجتمع، وقد أولته الشريعة الإسلامية عناية خاصة تميزت بالرحمة والرعاية، حتى أصبح الاهتمام به معياراً لمدى عدالة الأمة ورُقيها، فاليتيم الذي فقد سند الأب يجد في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أبواباً واسعة من الرحمة، وحقوقاً كفلت له الكرامة والعناية لتؤكد أن الإسلام دين يُعلي من شأن الإنسان مهما كانت ظروفه لهذا لم تتركه الشريعة الإسلامية وحيداً، بل أحاطته بسياج من النصوص القرآنية والنبويّة التي تصون حقوقه وتحذر من انتهاكها.
الاهتمام الشرعي لم يبقَ حبيس النصوص القرآنية، بل تجسّد في المنظومة القانونية التي سارت على هدي الشريعة لتجعل من رعاية اليتيم واجباً على الدولة والمجتمع معاً، فجاء النظام القانوني متسقاً مع تعاليم الشريعة، إذ وضعت الدولة منظومة تشريعية ومؤسسية لرعاية الأيتام، وذلك عبر وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي خصصت دور إيواء للأيتام تقدم لهم الرعاية الصحية والنفسية والتعليمية وأقر النظام برنامج الأسر الحاضنه الذي يمنح للأسر المواطنة حق كفالة اليتيم وفق ضوابط شرعية وإدارية مع تقديم إعانات مالية ودعم إشرافي من الدولة، وتسعى هذه السياسة إلى ضمان دمج اليتيم في بيئة أسرية طبيعية تحفظ له حقوقه العاطفية والاجتماعية.
فالعناية باليتيم ليست خياراً إنسانياً فحسب، بل هي واجب شرعي وقانوني وأخلاقي والشريعة الإسلامية سبقت وتقدمت على مجمل القوانين العالمية في تقرير تلك الحقوق التي تقوم على تكامل النصوص الشرعية مع التشريعات الحديثة، لذلك وضع النظام الأساسي للحكم قاعدة عامة تُلزم الدولة برعاية مواطنيها بالنص على أن تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية، وبذلك يدخل اليتيم ضمن دائرة الرعاية الاجتماعية التي تتكفل بها الدولة. ولأن المال قد يكون أول ما يتعرض للانتهاك جاء نظام الهيئة العامة للولاية على أموال القُصَّر ومن في حكمهم ليحمي أموال الأيتام بالنص على أن من اختصاصات الهيئة الولاية على أموال القصّر ومن في حكمهم ممن لا ولي لهم، وحفظ هذه الأموال وإدارتها وتنميتها، كما اشترط موافقة المحكمة المختصة على أي تصرف جوهري في أموال القاصر، حماية لمصلحته وضماناً لعدم استغلال ضعفه. ولم تقتصر حماية الأيتام على أموالهم بل امتدت إلى أجسادهم ونفوسهم فقد عرّف النظام الطفل بأنه كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ، كذلك على أن الهدف من النظام هو حماية الطفل من كل أشكال الإيذاء والإهمال وتوفير الرعاية له في بيئة آمنة، وألزم الجهات المختصة باتخاذ التدابير لحماية الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، وهو ما يشمل الأيتام بالدرجة الأولى، وفي السياق نفسه عرف النظام الإيذاء بأنه كل شكل من أشكال الاستغلال أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد بها، يرتكبه شخص تجاه آخر متجاوزاً حدود ما له من ولاية عليه، و شدد على العقوبات التي تصل إلى السجن سنة كاملة وغرامة 50 ألف ريال، ردعاً لكل من يعتدى على حقوق اليتيم أو غيره من الأطفال.
نظّم نظام الأحوال الشخصية حق اليتيم في الحضانة للمحضون وتكون لأمه، فإن تعذر ذلك فللأب، ثم للمحارم من النساء، كما أكدت على التزام الحاضن برعاية المحضون وحفظه وتربيته وعدم الإضرار به إلى بلوغه سن الرشد المحدد بثمانية عشر عاماً، وهو السن الذي يُسلم فيه اليتيم أمواله كاملة ليبدأ حياته مستقلاً.
بين رحمة الشريعة وحزم القوانين، يجد اليتيم في المملكة بيئة تحميه من الضياع وتصون حقوقه المادية والمعنوية وتوفر له الرعاية الأسرية و المؤسسية حتى يبلغ سن الرشد، وبذلك تتحقق رسالة الإسلام الخالدة في الرحمة والعدل، وتترجمها مملكة الإنسانية في قوانين حديثة تجعل من رعاية اليتيم معياراً لعدالتها ورقيها.