: آخر تحديث

مات من شدة الفراق

3
3
3

عبدالله خلف

حكى إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عديّ، عن هشام بن سام، قال حدّثنا رجل من بني تميم قال: خرجت في طلب ناقة لي فوردت على ماء لمياه طيء، فإذا بمعسكرين، أحدهما قريب من الآخر، وفي أحدهما، شاب مدنف قد نهكته العلة فهو كالشن البالي...

فدنوت منه لأعرف حاله فسمعته وهو يردد بصوت خافت:

ألا ما للمليحة لا تعودُ

أسُخْطٌ بالمليحة أم صُدودُ

مرضْت فعادني أهلي جميعاً

فما لك لا تري فيمن يعود

فقدتك بينهم فتلِفت شوقاً

وفقدُ الإلف يا روحي شديدُ

فلو كنت المريض لجئت أسعى

إليك ولم يمنعني القْعودُ

قال: فسمعت كلامه فبادرت نحوه فمنعني النساء فوثب مُبادراً نحوها، فحبسه الرجال، فجعلت بجذب نفسها من النساء وهو يجذب نفسه من الرجال... حتى التقيا فاعتنقا وبكيا ثم شهقا وانهارا...

ومن ذلك ما حُكي عن إسحاق الرافعي، قال، كُنت في مجلس بالرّقة في مجموعة من الظرفاء وجماعة من القيان ومعنا فتى باهر الهيئة والجمال... وعليه أثر ذلة الهوى، يُديم الأنين والبكاء فغنت إحداهن:

إني لأبغضُ كلّ مصطبر

عن إلفه في الوصل والهجر

الصبر يَحسُنُ في مواطنه

ما للفتى المحزون والصبر

فوضع يده على رأسه وأخذ يردد:

غداً يكثر الباكون منها ومنكم

وتزداد داري من دياركم بعدا

ثم رمى نفسه فسقط مغشياً عليه.

ومن ذلك ما حُكي عن جميل بن معمر العذري، أنه دخل على عبدالملك بن مروان، فقال له: يا جميل حدّثني ببعض أحاديث عُذره فإنه بلغني أنهم أصحاب أدب وغزل...

قال نعم يا أمير المؤمنين... إن آل بثينة انتجعوا حياً وقطعوا فيه بلداً آخر فخرجت أريدهم فاخطأت الطريق وجن عليّ الليل، ولاحت لي نار فقصدتها ووردت على مكان وقد ألجأ الراعي غنمه إلى كهف في الجبل، فسلّمتُ فرد السلام، وقال أحسبك قد ضللت الطريق، قلتُ نعم سيدي فأرشدني، وقال بل تنزل حتى تريح ظهرك فلما كان في الليل سمعتهُ يبكي ويشكو إلى شخص كان معه، فلما أصبحت طلبت الإذن فأبى صاحب الدار، وقال الضيافة ثلاث، فأقمتُ عنده وسألته عن اسمه، فانتسب إليّ فإذا هو من بني عُذرة وأشرافها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد