محمد ناصر العطوان
كيف عاش أصحاب الوجوه الضاحكة، أطول من أصحاب الوجوه المقطبة؟
تخيل معي عزيزي القارئ الهمام، يا من تشكو شدة الزحام وسرقة اللئام... منذ أيام الفراعنة والإغريق، والناس تدخل في حروب وتُنفى وتصاب بسحب وسحل وتتزوج وتنجب وتعيش وتموت وتقوم حضارات وتنهار دول... لكن يوجد هناك شيء واحد ظلّ موجوداً، وهو الضحك!
لأنّ الضحك ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية!
والإحصاءات تفيد بأن الناس التي تضحك تعيش في المتوسط 7 سنوات أطول من أصحاب السلبية والمشاكل والنكد والهم والغم.
يمكن لنا أن نقسم تاريخ الضحك من العصر الحجري لـ «ستاند أب كوميدي»، ويمكن لنا أن نحدد متى بدأ الإنسان الكلام، لكن يستحيل أن نحدد متى بدأ الضحك.
تظهر النقوش الحجرية في مصر القديمة، فراعنة ينحتون «ميمز» على العبيد والأقزام الذين كانوا في صحبة الملك. وفي الحضارة الإغريقية أخبرنا أرسطو، أن الضحك هو ما يميز الإنسان عن الحيوان، وكان المسرح الكوميدي عندهم أهم من السياسة... لأن الشعب الجائع يحتاج ضحكة لكي ينسى جوعه.
العصر الإسلامي كان أيضاً مليئاً بحركة التأليف حول «الاحتفاء بالضحك»، مثل كتاب «البخلاء»، وإخبار الحمقى والمغفلين، وأخبار الطفيليين، وفصول في كتب تحدثت عن آداب المزاح وحدود الضحك، وشخصية جحا التي لم تكن خيالية، بل كان موجوداً فعلاً ويمارس «كوميديا سوداء» من 1000 سنة. كذلك يمكن تصنيف كتاب «المستطرف» للأبشيهي على اعتبار أنه كان «إنستغرام النكت» في العصر المملوكي!
في العصر الحديث لايزال الضحك موجوداً في تصريحات ترامب، ورغبته في الحصول على نوبل للسلام، وفي تصاريح بن غفير، في الكيان الصهيوني، وفي ردود كل المتصهينين... الكوميديا تطورت، ولكن الضحك ما زال موجوداً.
حسناً، من حق كل قارئ الأن أن يسأل، لماذا يجب أن نضحك؟
تخبرنا الفوائد العلمية المدعومة بأبحاث من جامعة ستانفورد ومنظمة الصحة العالمية، أن الضحك يخفض الضغط، ولك أن تتخيل أن 10 دقائق ضحك مجاني مع أصدقاء أوفياء في الديوانية أو المقهى، تعادل 30 دقيقة يوغا باشتراك 70 ديناراً للجلسة.
كذلك يمنع الضحك الجلطات ويحسن الدورة الدموية أكثر من المشي، ويحرق السعرات، فلك أن تتخيل أن 100 ضحكة تساوي 15 دقيقة على العجلة في نادي اشتراكه 40 ديناراً في الشهر! كما أن الضحك يقوي المناعة ويزيد إنتاج الأجسام المضادة.
في دراسة صادمة من جامعة هارفارد أثبتت أن المرضى الذين يمارسون الكوميديا الساخرة يتحسنون أسرع بــ 40 في المئة من غيرهم!
عزيزي القارئ، هناك فرق شاسع بين بيوت تضحك وبيوت تتكلّس من السلبية، فالبيت والعائلة التي تضحك يكون الأكل فيها برائحة أحلى، والمشاكل تتحول لتحديات، والأطفال يحصلون على ثقة في النفس عالية، حتى الأجهزة الكهربائية تعيش عمراً أطول!
أما البيت الجاد الحازم المليء بالأوامر والنواهي والملاحظات، فالملح فيه مر، والسكر يتجمد في العلبة، والأطفال يكتمون في أنفسهم مذكرات يومية سوداوية... حتى العصافير والحمام تبتعد عن شباكها!
بل ربما نكتشف أن 80 في المئة من المراهقين المكتئبين بسبب بيوت لا تضحك!
وإياك وإياك أن تستهين بالضحك فهو أقوى من أسلحة الدمار الشامل، فلقد قامت الثورة الفرنسية بنكات أطلقت على الملك، وفي الربيع العربي، كان سلاح «الميمز» الساخر، هو أداة الشباب... ويقال إن النكتة السياسية «أقوى من أي استجواب برلماني».
أما في ما يتعلق باقتصاديات الضحك، فلك أن تتخيل أن سوق الكوميديا العالمية يربح 500 مليار دولار سنوياً، وأن قنوات اليوتيوب الكوميدية أرباحها أكثر من قنوات الأخبار، وأن صناعة «الميمز» في العالم العربي بلغت ملياري دولار سنوياً.
ضف على ما سبق، أن الموظف الضاحك إنتاجيته أعلى بـ 30 في المئة، والشركات التي لديها «زاوية ضحك» مبيعاتها أعلى، وحتى البنوك المحترمة لديها «أقسام لتحسين مزاج العملاء»!
في دراسة أنثروبولوجية قامت بها جامعة أوكسفورد اكتشفت أن كل ثقافة لها «بصمة ضحك» مختلفة... يعني نغمة ضحكة الكويتي لها بصمة وراثية، تختلف عن غيره... اضحك لترى!
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله أبتر... وكل ما لا يراد به وجه الله... يضمحل.