لا تُولد أمجاد الأوطان من المصادفات، ولا تُصنع الهيبة الرياضية في ليلة واحدة، بل تتراكم عبر مسيرة من العمل والوعي والثبات، ومن هنا تتجلى قيمة تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم للمرة السابعة؛ فهو ليس مجرد نجاح كروي، بل امتداد لروح وطن اختار أن يكون حاضرًا في الساحات العالمية بقوة وثقة، وأن يجعل من كرة القدم مرآة لحضوره الدولي ونهضته الحديثة.
هذا التأهل لا يُقرأ بوصفه نتيجة مباراة، بل بوصفه انعكاسًا لمسار استراتيجي تبنته المملكة في تطوير الرياضة كقوةٍ ناعمة، واستثمارٍ وطني، ورمزٍ للهوية والطموح، فحين يخوض الأخضر مواجهة حاسمة أمام منتخب العراق، ويخرج متأهلاً تحت ضغط التوقعات وبحضور جماهيري كثيف وعيون القارة تترقب، فإنه يثبت أن شخصية المنتخب السعودي أصبحت أكثر نضجًا ووعيًا بوزنه التاريخي ومسؤوليته المستقبلية.
هذا التأهل لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة بناء منظومة متكاملة بدأت من إعادة هيكلة المسابقات المحلية، ورفع مستوى الاحتراف والدعم الفني، مرورًا بصناعة جيل قادر على المنافسة عالميًا، وصولًا إلى خلق بيئة رياضية تجذب أفضل الخبرات والمدربين واللاعبين، لقد أصبحت كرة القدم السعودية مشروع دولة، وليست مجرد موسم أو بطولة، وأصبح المنتخب واجهة وطنية تجسد رؤية تؤمن بأن التميز في الملعب يعكس التميز في الفكر والإدارة والهوية.
إن الوصول إلى كأس العالم للمرة السابعة يعني أن الأخضر لم يعد حالة استثنائية في آسيا، بل بات واحدًا من أعمدتها الكبرى، التاريخ يشهد له، والجماهير تؤمن به، والمنافسون يحسبون له ألف حساب لقد تحول إلى قوة تنافسية تمتلك القدرة على التأثير وصناعة المفاجأة، كما فعل في مونديال 2022 حين هزم المرشح الأقوى للقب في مباراة أصبحت أيقونة في ذاكرة كرة القدم.
ومع كل تأهل، تتسع دائرة المسؤولية، فلم يعد المطلوب أن نصل فقط، بل أن نثبت أن المملكة قادرة على إعلاء طموحها إلى إنجاز عالمي، الجماهير اليوم تنتظر أداءً يليق بالمملكة في عصرها الجديد؛ عصر التحولات الكبرى، والإنجازات المتسارعة، والحضور العالمي في كل المجالات.
إن «المجد السابع» هو لحظة فخر، لكنه أيضًا نقطة انطلاق، فهو يعكس ما تحقق، ويشير إلى ما هو مقبل، فالأخضر الذي عرف طريق المونديال سبع مرات، قادر على أن يجعل من حضوره عادة، ومن التأثير أسلوبًا، ومن المنافسة هوية ثابتة.