: آخر تحديث

البشر حكاؤون

11
9
10
مواضيع ذات صلة

«أل» التعريف السابقة لمفردة «بشر» في العنوان مقصودة، وإلا لكنّا قلنا: بشر حكاؤون، وبذلك نكون قسّمنا الناس إلى صنفين: صنف حكّاء، وصنف غير حكّاء، ولكن الغاية هنا القول إننا جميعنا، معشر البشر، حكاؤون. حتى وإن تفاوتت قدراتنا في الحكي، بين من يميلون إلى الإيجاز في القول والمفردات، ومن هم، على عكس ذلك، ميّالون إلى الإسهاب والاستطراد، وأحياناً إلى التكرار الممل، فليس كل حكّاء مسلياً في حكيه أو مفيداً، وهناك من تود أن يواصل حديثه حتى لو أطال لأن في قوله متعة وفائدة.

للأمر جانب آخر. نحن حكاؤون صحيح، لكن هل تسعفنا المفردات حين نحتاج إليها؟ هل ما لدينا من مخزون منها قابل للاستدعاء وقت الحاجة، أم أن الكثير منها يتوارى في الزوايا الخفية للذاكرة، وقد يطل منها، أحياناً، ساعة لا نكون في حاجة ماسة إليه؟

لاختبار ذلك علينا ملاحظة أننا، ونحن نستمع إلى أحدهم يتحدث، لا نجد صعوبة في فهم ما يقول، فالمفردات المتدفقة على لسانه معلومة لدينا، ومعلومة أيضاً المعاني التي تحملها، ولكن هل لو جربنا أن نوصل الفكرة نفسها التي سمعناها على لسانه بمخزون مفرداتنا الخاص، سنمتلك المهارة نفسها، سواء كانت أقل أم أكثر؟ ألن نلاحظ أننا قد نقول ذات الفكرة ولكن بمفردات مختلفة قليلاً أو كثيراً عن تلك التي استخدمها هو؟

معلومة مهمة قرأناها قد تساعدنا في الإجابة، حيث خلص باحثون إلى أن الفرد الذي يبلغ عمره في المتوسط عشرين عاماً يعرف قرابة 42 ألف مفردة، وأن هذا العدد يرتفع إلى زهاء 48 ألف مفردة عند سن الستين، وينسب إلى باحثة تدعى نيكول كاسترو قولها إن بعض البشر يختزنون عدداً أكبر من المفردات حسب تجاربهم الحياتية المختلفة، «فالعقل البشري يحتوي على قاموس فوري يعمل بمواصفات تفوق أفضل تطبيقات الترجمة والقواميس الإلكترونية، حيث يحتوي على مفردات وأصوات وتركيبات لغوية وعبارات ومعلومات نحوية تتيح للمتحدث أن ينتج عدداً لا نهائياً من الجمل، كما يحتوي أيضاً على معجم مترادفات تسمح له بالربط بين الكلمات ذات الدلالات المتشابهة من حيث المعنى أو الصوت أو الشكل الإملائي، وأن العقل البشري يعمل بسرعة فائقة في استرجاع معاني المفردات».

حكينا هو في جانب كبير منه نتاج تجاربنا في الحياة. التجربة المختلفة لكل واحد منا تصنع له قاموسه الخاص في الحكي، وفي هذا تدخل عوامل عديدة، بينها طبيعة تعليمه والمهنة أو المهن التي مارسها في حياته، وما تعلّمه من لغات أو مفردات من خارج لغته، وما قرأه من كتب وما اكتسبه من خبرات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد