الإعصار المدمر «دانيال» الذي ضرب شرق ليبيا الأسبوع قبل الماضي، وقتل وأصاب آلافاً، وشرد الملايين، وهدم آلاف البيوت، لم يكن فقط بسبب غضب الطبيعة، ولكن زادت شدته بسبب انهيار سدين في مدينة درنة، ما أدى إلى تفاقم المأساة غير المسبوقة عربياً، وربما أفريقياً.
لكن السؤال الذي أثاره الإعصار وتداعياته الكارثية في ليبيا جعل البعض يتحدث ويشير إلى خطورة السدود في مناطق مختلفة من العالم، خصوصاً إذا أثير بشأنها الجدل. وفي مصر كان منطقياً أن يصاب كثير من المصريين بالقلق لسبب جوهري، هو وجود سد النهضة الإثيوبي، والأحاديث المتكررة عن الخطورة التي يشكلها في حالة تعرضه لأي خطر، خصوصاً في ظل ما يقال عن عيوب فنية وجيولوجية في المنطقة المقام عليها السد. نعلم أن إثيوبيا قررت بناء هذا السد الذي كان يسمى بـ«الألفية» في شتاء 2011، وبدأت في تحويل مياه النيل الأزرق في شهر أبريل من العام نفسه، ورفضت المطالب المصرية والسودانية للتفاهم بشأن بناء السد، وظلت تشتري الوقت، وفي الأسبوع الماضي أعلنت القاهرة أن جولات التفاوض الأخيرة قد فشلت.
في هذا المقال لا نناقش الخلاف السياسي المعروف بين مصر وإثيوبيا، ولا الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تنظم طريقة تقسيم مياه الأنهار العابرة للحدود بصورة قانونية، لكن نحن نتحدث فقط بشأن أمر جيولوجي بحت، هو: ماذا لو انهار سد النهضة لا قدر الله؟ ومن الذي سيدفع الفاتورة الكبرى لو حدث ذلك؟! بطبيعة الحال لست خبيراً جيولوجياً، ولست مختصاً في قضايا الزلازل والبراكين والأعاصير، لكن بحكم عملي الصحافي أتابع كل ما ينشر في هذا الصدد، خصوصاً هذا الموضوع الذي يهم بلدي مصر عموماً، وأهلي في الصعيد خصوصاً. أهم ما جاء في هذا الشأن هو ما ذكره خبير المياه المصري المعروف الدكتور عباس شراقي، أستاذ هندسة المياه والري، حيث قال بوضوح يوم الاثنين الماضي 18 سبتمبر: إن سد النهضة دخل بالفعل دائرة الخطر الكارثي على كل من مصر والسودان، بعد انتهاء التخزين الرابع وحجز نحو 41 مليار متر مكعب. ويضيف أنه طبقاً لمقاييس تقسيم السدود فإن سد النهضة يعد من الأشد خطورة على حياة البشر.
غالبية خبراء السدود يقولون إن تصنيف مخاطر السدود لا يعتمد على حالة السد الهندسية أو حجم سعته، ولكن على مدى الضرر الذي قد يحدث بدول المصب في حالة انهياره.
إن انهيار سدي وادي درنة وأبو منصور، وهما يخزنان 28 مليون متر مكعب فقط، قد أدى إلى مقتل 11 ألف شخص وتشريد عشرات الآلاف، وتدمير ثلث المدينة، الأمر الذي لفت نظر غالبية سكان العالم إلى خطورة بعض السدود، علماً بأن هناك أكثر من 50 ألف سد في العالم. مرة أخرى، ما زلنا نتحدث في الأمور الفنية فقط، وليس السياسية، والمفروض أن التصميم الأمريكي لسد النهضة كان تخزين 11.1 مليار متر مكعب، لكنها زادت لأسباب سياسية لتبلغ 74 مليار متر مكعب، واللافت للنظر أن هذا الرقم هو إجمالي حصتي مصر والسودان الحالية من مياه النيل، حيث لمصر 55.5 مليار متر، وللسودان 18.5 مليار متر.
فنياً أيضاً فإن موقع السد يقع في منطقة الأخدود الأفريقي الأكثر نشاطاً للزلازل، وينبع من ارتفاعات تزيد على 4 آلاف متر، إضافة إلى فيضانات شديدة في موسم الأمطار، وكميات كبيرة من الطمي، هي الأعلى في العالم. ثم إن سد النهضة يقع على بعد 15 كيلومتراً فقط تقريباً من الحدود السودانية، وإذا انهار ـ لا قدر الله ـ فإنه قد يشكل طوفاناً لم تره البشرية منذ أيام سيدنا نوح، عليه السلام، والوصف للدكتور عباس شراقي.
لو حدث الانهيار فإن حياة نحو 30 مليون شخص مهددة، خصوصاً في السودان، لأنه سيجرف في طريقه سدود الروصيرص وسنار ومروي في السودان، وإذا حدث ذلك فسوف تكون هناك خطورة حقيقية على السد العالي في مصر.
بطبيعة الحال فإن إثيوبيا تؤكد دائماً أنها راعت كل الشواغل الفنية والهندسية في بناء سد النهضة، وأنه آمن تماماً، لكنها في المقابل رفضت وترفض أي إشراف أو فحص أو مراقبة دولية أو مشاركة مصرية في دراسة مدى خطورة السد وكيفية تشغيله، خصوصاً بعد أن قررت زيادة سعته إلى 74 مليار متر مكعب.
كوني مصرياً أتمنى كل الخير والازدهار لإثيوبيا وشعبها، وأن تتقدم في كل المجالات، لكن بشرط بسيط، ألا يكون ذلك على حساب حياة المصريين والسودانيين. نتمنى أن يكون هناك تعاون مشترك بين البلدان الثلاثة لمصلحة شعوبهم، وليس لمصلحة شعب على حساب آخر، خصوصاً بعد أن رأينا ما حدث في درنة الليبية، فربما يكون ذلك بمثابة إنذار مبكر للجميع.