: آخر تحديث

أحمد بن حامد آل حامد.. أول وزير للإعلام في الإمارات

26
22
25
مواضيع ذات صلة

يُعد الشيخ أحمد بن حامد آل حامد من رجالات دولة الإمارات العربية المتحدة الأوائل ومن ضمن روادها في مجالات الإعلام والثقافة والسياحة، وأحد الذين آمنوا مبكرًا بتجربتها الاتحادية فخدمها بإخلاص وتفانٍ لعقود طويلة، وكان صوتها الهادر في المحافل الإعلامية، دفاعًا عن قيمها ومبادئها وسياساتها الداخلية والخارجية ومواقفها من الحق العربي والقضايا العالمية والملفات الإنسانية. لذا لم يكن غريبًا أن يحزن الإماراتيون بمختلف شرائحم وأطيافهم يوم أن أعلن في أبوظبي عن وفاته في 28 نوفمبر 2012 عن عمر ناهز 83 عامًا، وأن يتدافع كبار أعضاء الأسر الحاكمة في الإمارات السبع وكبار المسؤولين للصلاة عليه بمسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وتشييعه إلى مثواه الأخير بمقبرة البطين.

ولد الشيخ «أحمد بن حامد بن بطي بن خادم بن نهيان آل حامد» بمدينة أبوظبي سنة 1929 ابنًا لوالده الشيخ حامد بن بطي آل حامد القبيسي ولوالدته «شمسة بنت أحمد السويدي»، وبالتالي فهو سليل أسرتي القبيسي والسويدي الكريمتين ذات المصاهرات العديدة مع آل نهيان الكرام والعديد من العائلات الإماراتية المعروفة، إذ إنه ابن عم للمغفور لها الشيخة «سلامة بنت بطي بن خادم بن نهيان آل حامد القبيسي» والدة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.

تلقى الشيخ أحمد دراسته، كمعظم أبناء جيله، في الكتاتيب التقليدية، إذ درس القرآن الكريم والفقه والحساب والقراءة والكتابة، ليثقف نفسه ذاتيًا بعد ذلك من خلال القراءة والمطالعة وحضور مجالس الأدباء والشيوخ والأعيان التي كانت قديمًا بمنزلة ديوان عام لمناقشة مختلف الشؤون الخاصة والعامة وتداول الأخبار والقصص والحكايات والقصائد. على أن المدرسة التي كثيرًا ما افتخر بتخرجه منها هي مدرسة قائده الشيخ زايد. إذ كان لسنوات طويلة ملازمًا ومرافقًا لسموه، وحاضرًا في مجالسه، ومصغيًا لآرائه ونصائحه الحكيمة، ومعاصرًا لجميع مراحل التطور التي شهدتها أبوظبي تحت قيادته، وهو ما جعله كريمًا معطاءً ومتحليًا بالقيم العربية الأصيلة.

وقبل استقلال دولة الإمارات وإعلان قيام اتحادها بسنوات، عمل الرجل في دوائر حكومة إمارة أبوظبي، إذ كان رئيسًا لدائرة شؤون الموظفين وشؤون السياحة، ومنها انتقل ليشغل منصب رئيس دائرة العمل والعمال في وقت كان فيه أبوظبي تستقطب أعدادًا كبيرة من العمال القادمين من مختلف الدول العربية للبحث عن فرص العمل، فقام الرجل بتنظيم شؤون الاستقدام والإشراف على تنظيم استخدام العمالة الأجنبية وإصدار لوائح بخصوص المنازعات العمالية، وإعطاء الأولوية في التوظيف، بعد المواطنين، لمواطني الخليج ولاسيما من الكفاءات البحرينية.

وبعد أن قاد هذه الدائرة المهمة، تولى منصب رئيس دائرة الإعلام والسياحة، إذ قوبل قرار توليه مسؤوليات الإعلام بالإمارة بالترحيب من قبل العديد من الصحفيين والكتاب. وبحكم هذا المنصب الأخير شارك كعضو في وفد إمارة أبوظبي إلى اجتماعات الاتحاد التساعي في عام 1969 إلى جانب الشيخ زايد ونجله الأكبر الشيخ خليفة بن زايد ولي العهد ورئيس دائرة الدفاع آنذاك، والشيخ حمدان بن محمد آل نهيان رئيس دائرة الأشغال والإعمار، ومعالي أحمد خليفة السويدي رئيس الديوان الأميري، والأستاذ محمد الحبروش السويدي نائب رئيس الديوان الأميري، وخلف بن عبدالله العتيبة (أول وزير للاقتصاد بعد قيام الاتحاد)، والمستشارين نجم الدين عبدالله حمودي وعدنان الباجهجي. ومما لا شك فيه أن هذه المهام والمسؤوليات والمشاركات أكسبته اطلاعًا واسعًا، خصوصًا بعدما أوفده الشيخ زايد إلى كبريات العواصم العربية كي يشرح لقادتها رؤية سموه في مسألة الاتحاد. وهكذا، فإن الشيخ أحمد بن حامد كان مسلحًا بخبرة جيدة في تولي المسؤوليات الحكومية ومستعدًا لخدمة بلاده في موقع متقدم في بواكير تأسيس الكيان الاتحادي.

ومن هنا تمّ اختياره ليكون أول وزير للإعلام في التشكيل الوزراي الاتحادي الأول في ديسمبر 1971 برئاسة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وفي التشكيل الوزاري الثاني في مارس 1973 برئاسة سموه أيضا، صار وزيرًا للإعلام والسياحة، ليتغير مسمى منصبه إلى «وزير الإعلام والثقافة» في التشكيل الوزاري الثالث سنة 1977 برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم. أما في التشكيل الوزاري الرابع سنة 1979 برئاسة الشيخ راشد بن سعيد فقد احتفظ الشيخ أحمد بمنصبه كوزير للإعلام والثقافة، وظل كذلك إلى أن خرج من الحكومة مع التشكيل الوزاري الخامس سنة 1990، إذ أسندت حقيبة الإعلام والثقافة إلى خلفان بن محمد الرومي الذي فقد بدوره الحقيبة في التشكيل الوزاري التالي سنة 1997 لصالح الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان.

وخلال الفترات التي تولى فيها دفة الإعلام عمل مع مجموعة متميزة من رجال الإمارات على تأسيس عمل إعلامي يناسب طموحات الدولة في أبوظبي خاصة وفي بقية الإمارات بصفة عامة. ونذكر من الذين اعتمد عليهم وكانوا بمنزلة رجاله المخلصين: معالي الدكتور راشد بن عبدالله النعيمي الذي تولى منصب وكيل وزارة الإعلام سنة 1972، وسعيد الغيث الذي شغل منصب وزير الدولة لشؤون الإعلام، والدكتورعبدالله النويس الذي شغل منصب وكيل وزارة الإعلام والثقافة سنة 1976 وحتى 1991، والدكتور علي شمو وزير الإعلام السوداني الأسبق الذي كان وكيلاً لوزارة الإعلام عام 1974، والشاعر العماني الكبير عبدالله محمد الطائي.

وبعد أن ودع الرجل حلبة الإعلام التي أدارها بكفاءة واقتدار في عقدي السبعينات والثمانين الطافحة بالأحداث والمتغيرات، وكان فيها صوت بلاده في الداخل والخارج وواضع إسمها على خريطة الإعلام العربي، كرمه رئيس الدولة الشيخ زايد في عام 1995 بإصدار مرسوم قضى بتعيينه مستشارًا خاصًا لسموه بدرجة وزير، وظل كذلك إلى أنْ حانت منيته.

هناك الكثير من الإنجازات والصروح الإعلامية في دولة الإمارات من تلك التي وقف الشيخ أحمد خلفها ورعاها وسقاها حتى أينعت وباتت اليوم تضاهي مثيلها على المستويين العربي والعالمي. فبحكم منصبه الوزاري وبتوجيهات من قائده الشيخ زايد، ورغم كل المعوقات والإمكانات المحدودة بُعيد استقلال البلاد، أسهم في تأسيس إذاعة إبوظبي التي انطلقت في فبراير 1969 وتغير اسمها في عام 1971 إلى «صوت الإمارات العربية من أبوظبي» لتصبح بذلك الإذاعة الرسمية للدولة. كما أسهم في إطلاق تلفزيون أبوظبي الذي بدأ إرساله باللونين الأبيض والأسود في أغسطس 1969 تحت إشراف شركة طومسون الفرنسية، قبل أن يبدأ إرساله الملون في 4 ديسمبر 1974. وفي العام نفسه (1969) كان الشيح أحمد وراء تأسيس «شركة أبوظبي للإعلام» التي ضمت تحت جناحها جريدة «الاتحاد» وجهازي الإذاعة والتلفزيون. كما لعب دورًا بارزًا في نجاح جهازي الإعلام المسموع والإعلام المرئي لجهة نقل الحدث بالكلمة والصورة بكفاءة واقتدار، وأسهم في تزويد الجهازين بالكوادر الوطنية التي حرص على تشجيعها وابتعاثها في دورات إعلامية متخصصة وذلك تطبيقًا لسياسة توطين الوظائف الإعلامية قدر الإمكان.

كما يُـذكر للشيخ أحمد أنه عندما كان رئيسا لدائرة الإعلام والسياحة في حكومة أبوظبي - قبل قيام الاتحاد - تولى بأمر من الشيخ زايد مهمة الأشراف على أول صحيفة تصدر من أبوظبي (صحيفة الاتحاد)، وذلك في العشرين من أكتوبر سنة 1969 إذ تم البدء بطباعة نسخها في لبنان بطريقة الجمع الآلي كصحيفة اسبوعية توزع مجانًا قبل أن تتحول إلى يومية بدءًا من 23 أبريل 1974. وقد جاء إصدار الصحيفة في وقت كانت فيه أبوظبي تستضيف اجتماعات الاتحاد التساعي (الإمارات السبع + البحرين + قطر)، وكان الشيخ أحمد بن حامد هو أول من كتب في عددها الأول من خلال إفتتاحية جاء فيها: «انطلقت فكرة (الاتحاد) جريدة تنطق بالنهضة في أبوظبي. ولأن النهضة في البلاد أخذت تسير بشمول. ولأن هذا الشمول أصبح صورة في طريق التكامل الحياتي في البلاد. فلكل هذه الاعتبارات كانت جريدة (الاتحاد) أول جريدة تصدر في ساحل عمان. وقد سميناها (الاتحاد) لأن في التسمية المعنى الكبير للتفاؤل، فيما نشهد حكام الإمارات ورواد الاتحاد يفدون إلى بلادهم أبوظبي ليبحثوا في دولتهم العتيدة. وسميناها (الاتحاد) تجسيدا لما يدعو إليه شعبنا الكريم من إتحاد في القول والعمل، والسير صفًا واحدًا وراء قائدنا ورائدنا عظمة الشيخ زايد بن سلطان. وسميناها (الاتحاد) رمزًا للعمل المشترك المنبثق من الجهود الخيرة لنهضة البلاد. كل هذا وذاك، دعانا إلى أن نتعلق بهذه التسمية، انطلاقًا من الواقع وتفاؤلا بالمستقبل. وإننا نعد القراء، بأن دائرة الإعلام والسياحة ستجعل من هذه الجريدة منبرًا للتوجيه، ومشعلاً لأداء الواجب، ورمزًا لليقظة التي تعم البلاد بقيادة الأب القائد. فتحية لضيوفنا العظام في يومهم التاريخي العظيم. وتحية لقرائنا من جريدتهم البكر. وتحية لهذه الجريدة في خطوتها الأولى التي نرجو أن تسير قدما إلى الأمام». وإلى جانب جهوده في الأشراف على تأسيس صحيفة الاتحاد ورعايتها، وقف الرجل خلف فكرة إصدار صحيفة «أبوظبي نيوز» باللغة الإنجليزية التي صدر عددها الأول في الخامس من يوليو 1970 كي تكون منبرًا لمخاطبة العاملين في الإمارة من غير العرب وايصال أخبارها إليهم.

وفي زمن توليه مسؤوليات الإعلام في الحكومة الاتحادية، وتحديدًا في عام 1975، قررت وزارته تاسيس وكالة محلية للأنباء، بعد أن برزت حاجة ملحة لها كي تكون مصدرًا رئيسيًا لأخبار الدولة وانجازاتها

إلى ما سبق، شهدت الفترة التي أمسك فيها الشيخ أحمد بمسؤوليات الإعلام والثقافة في الحكومة الاتحادية طفرة في إنشاء المكتبات العامة وإصدار المؤلفات في شتى مجالات المعرفة. ليس هذا فحسب، وإنما شهدت أيضًا تأسيس الأنشطة الثقافية المتنوعة من خلال «الموسم الثقافي» لوزارة الإعلام والذي تحول معه النادي السياحي في أبوظبي مثلاً إلى خلية نحل ثقافية وفنية وأدبية. ومن جهة أخرى حولت وزارته مناسبة العيد الوطني للدولة إلى مهرجان ثقافي وفني سنوي مع دعوة إلى كل العرب للمشاركة فيه، حيث كان الراحل يرى أن مشاركة المنطقة العربية بأسرها في هذه المناسبة الوطنية ترمز إلى روح السلام والاتحاد التي دعا إليها الشيخ زايد، وتؤكد للعالم أجمع كم أن الإمارات دولة حرة قوية ومتماسكة، وتجمع بين رئيسها وقادتها أواصر تزداد قوة يومًا بعد آخر.

وقد سجل للراحل، إبان توليه مسؤوليات الإعلام والثقافة، العديد من التصريحات التي تجلى فيها نفسه الوطني والعروبي، ومنها تلك الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي كان فيها داعمًا للقضية بقوة، ومساندًا لنضال أهلها المشروع، ومطالبًا المجتمع الدولي بضرورة تسويتها سلميا من خلال عقد مؤتمر دولي وإجراء مفاوضات مباشرة.

ومما يجدر بنا ذكره ونحن نبحر في صفحات حياته، أنه كان يجيد نظم الشعر باللهجة المحلية الدارجة، بدليل وجود عدة قصائد له منشورة في الصحافة، ومنها واحدة بعنوان «يرّ قلبي ما الحشا أوشله» يشاكي فيها مواطنه الشاعر محمد بن راشد الشامي ومطلعها:

ويل قلبي من هجر خله

من عذاب القلب لي صابه

جرح وده في الحشا ايدله

لو ترحم عوقيه طابه

زاهياً لو مالبس دله

بوعيون (ن) دعج نهاية

له أردوف (ن) ثوبه اتشله

والحسن كاسيه يزهابه
الشيخ زايد والشيخ أحمد والشيخ أحمد بن عبدالعزيز المبارك خلال تأديتهم فريضة الحج
الشيخ زايد والشيخ أحمد والشيخ أحمد بن عبدالعزيز المبارك خلال تأديتهم فريضة الحج

أنجب الراحل من زوجته شرينه بنت خليفة السويدي خمسة أبناء: الشيخ شايع (متوفي في عام 2016) والشيخ سعيد (متوفي في عام 2010) والشيخ محمد والشيخ خالد (رجلا أعمال) والشيخ الدكتور حامد (رئيس مجلس إدارة شركة القدرة القابضة).

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد