: آخر تحديث

يوم الشعر والآخر المختلف

25
27
31
مواضيع ذات صلة

في اليوم العالمي للشعر قررت ألا أكتب شعرًا، أن أتخفى في ثوبٍ نثري لا قافية فيه، لا أوزان، لا موسيقى تُذكر أو ألحان، قررت بأن أهرب من نفسي، أن أتقمص شخصية حلاج، أو حواج، أو درويش أهبل، أن أتسامر مع أبناء الله، وأحفاد الشيطان، أن أفتح صفحة صفح معتمدة ممن مازالوا شعراء حتى أقنعهم بأن جميع الشعراء مهجورون، مبقورون، مديونون ومدانون، ومطلوبون للعدالة.

لا تكتبوا مزيدًا من الشعر يا أصدقائي الأوفياء، وكفوا عن التفكير العميق، وعن التدقيق، وعن استلهام العبر والأساطير من التاريخ، وعن استحضار الأرواح والأفراح والأتراح من نماذج جار عليها الزمن وعاندتها الأيام، توقفوا يا أعزائي عن التباهي بأنكم شعراء، أو حاولتم أن تكونوا كذلك في يوم ما، عودوا إلى قواعدكم سالمين لو تشاءون، اهربوا بجلدكم من جلادي هذه الأيام، وتمسكوا برشدكم ورشادكم، ولا تكونوا حمقى، أو غرقى في شربة ماء، احفظوا ما تبقى لكم من ماء للوجه، وأنقذوا ما يمكن إنقاذه من بقاياكم وأطلال صباكم، وأحوال أيامكم.

مؤخرًا قرأت كتابًا يمكن أن يفي بالغرض، يمكن أن نعوض من خلاله ما ينقصنا، ويمكن على شاكلة هذا المؤلف الرحب أن نقبل بالآخر، أن نختلف لا يهم، أن نرفض ليست هناك مشكلة، وألا أن نكون إلا أنفسنا هذا ما يجب أن نتطلع إليه.

المفكر المصري والكاتب المعروف مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بصحيفة الأهرام القاهرية د. نبيل عبدالفتاح نصحني ذات يوم بأن أمسك على قلمي وأن أشد عليه، وألا أشذ عنه. وفي ذلك الوقت فهمت نصيحة أخي الملتزم بالخطأ، كنت أفكر في عكس الاتجاه، واعتقدت بأنه ينصحني بالتواصل، لأنني أدرك تمامًا كم كان يكنه لي من حب ومودة.

وهأنذا اليوم والعالم يحتفي بيوم الشعر العالمي، لم أفكر في وضع يدي بمكتبتي الشعرية الصفراء، لم التقط ديوانًا لشوقي، أو آخر لمحمود درويش، أو حتى لأستاذي الكبير صلاح عبدالصبور.

ابتعدت عن الشعر وأيامه، وذهبت إلى كتاب للصديق الغالي والمفكر الكبير نبيل عبدالفتاح وهو يتحدث عن القبول بالآخر المختلف، هنا تذكرت، وهنا قلت لنفسي إنه كان يقبلني على علاتي رغم أنه كان مختلفًا معي، وأنه يمتلك من حرية التفكير ورجاحة الرؤى ما يمكنه من التعامل مع أي اختلاف وأي قناعات خارج صناديق اعتباراته.

وبعد نحو أربعة عقود من ذلك اللقاء الذي جمعتني به صدفة ذهبية تحت «سفح» صحيفة الأهرام أيام كنا زملاء، أجده اليوم يخرج بمؤلف موسوعي يحث فيه الأمة على الجلوس إلى مائدة مستديرة وثيرة، وكل متواجد أمامها يحلف القسم الإنساني المقدس بأن يحترم الآخر ولو اختلف معه، وأن يصون معتقداته ولو لم يكن مقتنعًا بها، وأن يحفظ أمانته حتى لوذهب الآخر بعيدًا بشحمه ولحمه وكيانه المختلف.

نبيل عبدالفتاح لابد وأن يكون عرابًا للقادة الأسطوريين الذين وضعوا التسامح والتعايش السلمي دستورًا لبلادهم، وحجر زاوية لتفكير شعوبهم، وأمانة في عنق من يتحمل المسئولية في أي موقع من المواقع.

في اليوم العالمي للشعر أشعر بالحزن على الشعر، وفي ذلك اليوم شعرت بالفخر لأنني أقرأ كتابًا عن القبول بالآخر حتى لو كان الآخر هذا شاعرًا متقاعدًا مثلي، أو عنيدًا لا يقبل الاستقالة كما الكثيرين هذه الأيام.

تحية طيبة في يوم الشعر العالمي للناثر الفنان نبيل عبدالفتاح ولكل من أثرى حياته وحياتنا بالنثر والتفكير، وليس لكل من وضعونا في عالم الأوهام والأحلام، نتوهم ونحلم بأننا نكتب شعرًا وما نحن بشعراء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد