خلال شهر مارس الحالي جاؤوا بطبيب مختص في قناة سعودية معروفة، وكان الغرض من استضافته الكلام عن الشائعات الطبية وسلبياتها على الناس، وقد تمت مناقشته في الأخبار الإلكترونية المتداولة حول مرض (ماربورغ) والقول بأنه سيحمل الراية بعد كورونا ما لم يكن أخطر، وأن نسبة وفاة المصابين به تصل إلى 88%، وقد كان جوابه صادماً لمقدم البرنامج، عندما صادق على خطورة المرض، وعلى عدم وجود لقاح ضده، وزاد بإيصال وفياته إلى 90%، ولكنه عاد، وقال بولادة المرض في 1976، وحدد ظهوره الأول في مدينة تحمل الاسم نفسه في ألمانيا، وأنه لا ينتقل بواسطة الهواء وإنما عن طريق سوائل الجسم والملامسة، ومن أشخاص مصابين ظاهرياً بالمرض، وأشار إلى أن دول الخليج وآسيا في مأمن، فهو محصور حالياً في منطقة جغرافية معينة ضمن أفريقيا، ولم يغادرها منذ فترة طويلة، وانتشاره الأخير حدث في غينيا الاستوائية، تماماً كـ(ايبولا) مع فارق السن بينهما.
ما قاله الطبيب السعودي مهم بحكم اختصاصه، ولكنه لن يوقف ظاهرة متكررة على السوشيال ميديا، وبالأخص في مجال الإفتاء الطبي الذي يمارسه بعض المؤثرين السعوديين على منصاتها، واستثمارهم لما أصاب العالم بفعل كورونا في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، فقد صدرت إحصائية في عام 2019، وفيها أن محرك غوغل كان يستقبل 70 ألف بحث عن معلومات طبية في كل دقيقة، وبما يعادل مليار بحث في اليوم الواحد، وخوارزميات غوغل الذكية تعمل على ما يرغب فيه المستخدم والمعلن معا، ونتائجة التي تظهر في البداية تكون لمن يدفع أكثر، وليس لصاحب المنتج الأفضل، والأصعب إن صدق أو كذب الموقع لا يغير شيئا في قناعات منطق الآلة، وكأنها تعمل بنفس أسلوب الكتب الأكثر مبيعاً، واعتمادها على التسويق والإثارة المفتعلة والتفضيلات المدفوعة، بصرف النظر عن المحتوى الهش أو غير الصحيح في معظمها.
المعلومات الطبية على الإنترنت تأخذ ثلاثة أشكال؛ أولها موجود على صفحات الجامعات الطبية والمستشفيات التعليمية الكبيرة، ومن أمثلتها، كليفلاند كلينيك ومايوكلينك ومستشفى الملك فيصل التخصصي والمستشفيات الجامعية السعودية، ومعها ما تعرضه المواقع الصحية الرسمية.. والثاني يوجد في المجلات والمنتديات الإلكترونية، ويركز على الجانب التوعوي والإسعافي ولا يدخل في التفاصيل.. والثالث يعرض عادة على المنصات الإلكترونية المختلفة، ويمكن القول بارتياح إن 80% من محتواه غير صحيح، وأنه يستهدف زيادة أرقام المشاهدات والمتابعين، أو يبيع مواد أو مستحضرات طبية لمصلحة شركات أو أشخاص، كما هو الحال في مؤثر يتابعه أكثر من مليون شخص على واحدة من المنصات، ويتربح من وراء خلطة شعبية، بدعوى إنها ساهمت في شفائه من مرض خطير.
بعض الأفكار الخاطئة يتم تقديمها من قبل مجتهدين باعتبارها حقائق طبية لا تقبل الجدل، والواقع إنها مجرد تخبطات لا أكثر، ومن أمثلتها، أن تناول الفيتامينات يجعل الشخص بصحة جيدة، والصحيح أن الدراسات ربطت بين تناولها دون حاجة وأمراض السرطان، ومعها الإصرار على أن الإنسان يحتاج إلى ثمانية أكواب من الماء في اليوم لمقاومة الجفاف، والحقيقة أن الأشخاص يختلفون في احتياجهم اليومي بالزيادة أو بالنقص، بجانب تحميل التلفزيون مسؤولية ضعف أو قصر النظر، والاتهام مقبول في حالة التلفزيون الملون القديم لأنه ينتج أشعة إكس، بينما التلفزيونات الحالية لا تضر العينين وأقصى ما يمكن أن تحدثه هو الصداع وحده، والكذبة الأكبر تتمثل في الادعاء أن الآدميين لا يستخدمون إلا 10% من عقولهم، فقد أثبتت المسوح الدماغية توظيف الإنسان لكامل مراكز دماغه بفاعلية.
الناس يعتقدون بفاعلية الأساليب التقليدية والوصفات الشعبية، ويفضلونها على أبسط الأدوية كالمضادات الحيوية بعد استخدامها لفترة قصيرة، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن عدم استكمال كورس المضادات يؤدي إلى تكون بكتيريا تقاومها، وسيكون ذلك السبب الأساسي في وفاة 400 ألف شخص في 2050، أو أنهم يستخدمون مسكنات نصحهم بها آخرون، وبحسب المنظمة نفسها، فإن 40 ألف شخص يموتون سنوياً نتيجة لسوء استخدام المسكنات بأنواعها.
بالتأكيد هناك منصات عربية موثوقة يمكن الاعتماد عليها، كموقع (ويب طب) بما يحويه من دليل أمراض تفصيلي، وخدمة تفاعلية لتشخيص الأعراض، ولكنه لا يغني عن مراجعة الطبيب، ومعرفة التاريخ الطبي، والأدوية التي يتحسس منها، وتداخلات الأدوية وخطورتها على حياته، فالدواء الذي يتعافى منه شخص قد يذهب ضحيته آخر، وتجارب الأشخاص مع المرض تختلف مهما تشابهت الأعراض، بالإضافة لموقع (الطبي) وفيه اقسام للسؤال والجواب، وجزئين مدفوع ومجاني والثاني أكبر من الأول، وموسوعتين للأمراض وللأدوية، وخدمة للتواصل المباشر مع الطبيب المتاح، وباستثناء ما توفره الصيدليات السعودية الخاصة، فإن المحتوي الرقمي في مجال التثقيف الطبي الموجه للمريض، مازال محدود جداً ما لم يكن مفقوداً بالكامل، ولا بد من حملة وطنية لإيقاف المتجاوزين.