: آخر تحديث
سياقات

بين جاليليو وستيف جوبز

17
14
13
مواضيع ذات صلة

كثيرا ما يُشاع أن جاليليو هو مخترع التلسكوب، والحقيقة أن الهولندي هانز ليبرهاي هو مخترعه الأول، كان ليبرهاي متخصصا في صناعة العدسات، وقدم على الحصول على براءة اختراع رفضت لوجود مدعين بتصاميم مشابهة، لم يكن جاليليو في المقابل متخصصا في صناعة العدسات، إنما طورها للاستفادة منها في أبحاثه في علوم الفلك، فقد تلقى جاليليو اختراع ليبرهاي بحماس فاشتهر به، وظل ليبرهاي مغمورا إلى اليوم رغم مساهمته المهمة.

عندما زار ستيفن جوبز في نهاية السبعينيات الميلادية معمل زيروكس مع مجموعة من مهندسي شركة آبل في باولو ألتو، كان العمل على حاسب ماكنتوش قد ابتدأ، في تلك الزيارة، اطلع ستيفن جوبز مع زملائه على تقنيات جديدة لم تصل للسوق بعد، وكثير منها يهتم بتحسين تجربة المستخدم التي كان ستيف جوبز مهتما بها حينها، في الزيارة التي كانت مثل آلاف الزيارات الأخرى، شاهد ستيفن جوبز اختراع فأرة الحاسوب لأول مرة.

عندما سمع جاليليو باختراع يقرب الأجسام البعيدة لتبدو قريبة مع وصف غير دقيق لتصميمه، عاجل إلى العمل على صناعة تلسكوب خاص به بمواصفات أقوى، ربما على خلاف ما كان متصورا لدى مخترعه الأول ليبرهاي، لم يوجه جاليليو التلسكوب للأجسام البعيدة على الأرض إنما وجهه إلى السماء حيث المدى الأرحب والأبعد، وإلى القمر أقرب الكواكب إلى الأرض، كانت المصادفة التي أتت بخبر اختراع التلسكوب تشبه كثيرا ما رآه ستيف جوبز في معمل زيروكس في زيارته الشهيرة.

كان ستيفن جوبز مشغولا بتطوير تجربة المستخدم، حيث التصاميم الأولية لماكنتوش تركز على وجود أيقونات سهلة الاستخدام ومساحة لاستعراضها وهو ما يعرف اليوم بسطح المكتب، ما كان ينقص هذه التجربة وجود وسيلة أفضل من استخدام لوحة المفاتيح للتحكم بالأيقونات والانتقال بينها. عندما شاهد ستيفن جوبز الفأرة وجد ما يبحث عنه، لم يكن ستيفن جوبز الوحيد الذي شاهد الفأرة، فكما توضح سجلات الزيارات لمعمل زيروكس، كان المعمل يستقبل مئات الزائرين، فلم يكن الاختراع سرا.

الذي يجمع ليبرهاي وزيروكس رغم القرون الثلاثة التي تفصلهما، أن أصالة الاختراع لم تكن كافية لتحقيق النجاح الذي كان متوقعا لهما. كان ليبرهاي يفتقد المنظومة المعرفية التي توظف الاختراع للحصول على أهم النتائج ذات التأثير الكبير، وهي المنظومة التي كان يمتلكها جاليليو، على المنوال نفسه كان ستيف جوبز يملك منظومة معرفية لتجربة المستخدم لم تكن لدى زيروكس، وكان التحكم الميسر هو العنصر المفقود فيها، لا يكفي أن يكون الاختراع ناجحا ليؤدي إلى نتائج عظيمة كما يشهد بذلك اختراع التلسكوب وفأرة الحاسوب. المهم هو وجود منظومة معرفية قابلة للاندماج مع الاختراع للحصول على أقوى أثر ممكن.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد