تتسارع التطورات في تركيا استعداداً للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 14 أيار/مايو المقبل.وينظر الى هذه الانتخابات في كلا معسكري السلطة والمعارضة على انها «مصيرية» ومسألة «بقاء» أي بالعربية حياة او موت بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان والمعارضة على حد سواء. ذلك أن خسارة أردوغان الانتخابات في حال حصل ذلك يعني زلزالاً لا يقاس بمقياس لا ريختر ولا غيره. فالبناء الذي عمل إردوغان و«حزب العدالة والتنمية» على تشييده في الداخل على امتداد عشرين عاماً ولا سيما مواجهة الدولة العميقة العلمانية - العسكرية كان هائلاً إلى درجة أن تركيا أخرى كانت ولا تزال تنشأ.
وقد يحتاج أردوغان إلى بعض السنوات القليلة ليكمل الانقلاب على البناء القديم. كذلك في الخارج كان الانقلاب على السياسات التركية التقليدية كبيراً بحيث أن هناك إجماعاً على أن تركيا تبتعد عن سياسة الحياد النسبية التي اتبعتها على امتداد سنوات ما قبل العام 2002 عندما جاء «حزب العدالة والتنمية» واتبع لاحقاً سياسات تطول مسارات داخلية في معظم الدول العربية أسفرت عن عداوات مع معظمها قبل أن تبدأ بالتحسن النسبي في الأشهر الأخيرة.
لذلك يرى أردوغان وتياره السياسي والفكري أن خسارته إذا حصلت ستشكل نهاية لمشروع الإسلام السياسي التركي الذي جاء به داخلياً وخارجياً.
وبعد أقل من مئة يوم من موعد الاقتراع كان أردوغان يواجه تحديين كبيرين.الأول هو تقدم المعارضة التركية خطوة إلى الأمام نحو توحيد صفوفها. فقد مّر حتى الآن على أحزاب المعارضة الستة نحو العام وهي تعمل على التنسيق فيما بينها ومحاولة الخروج بموقف موحد ضد أردوغان. وقد عقدت حتى الآن أحد عشر اجتماعاً كان آخرها قبل أيام وأعلنت فيه وثيقة العمل المشترك والسياسات التي ستتبعها في حال فازت في انتخابات الرئاسة.
وبدا واضحاً أن الوثيقة المشتركة تهدف إلى تغيير جذري في النظام السياسي الذي أرساه أردوغان ولا سيما في مجال منح رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة. حيث تدعو الوثيقة إلى تقليص هذه الصلاحيات بل تعرية الرئيس منها وإعادة استحداث منصب رئيس الحكومة ومنحه هذه الصلاحيات وإعادة صلاحيات أخرى كثيرة كانت قد نزعت من البرلمان. برنامج المعارضة على الصعيد الداخلي يساوي باختصار محو كل أثر لسياسات أردوغان وتياره السياسي. أما على الصعيد الخارجي فتدعو الوثيقة إلى العودة لشعار أتاتورك:«سلام في الوطن سلام في العالم» وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتعامل معها من دولة لدولة ومراعاة المصالح الوطنية العليا وليس الإيديولوجية أو العائلية او الشخصية التي ترى الوثيقة أن أردوغان غلّبها على المصالح الوطنية. ولا يبقى أمام المعارضة سوى اختيار المرشح المناسب الذي يمكن أن يهزم أردوغان في الانتخابات حيث يتردد اسم رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بقوة بنسبة تسعين في المئة!.
والتحدي الثاني الذي يواجهه أردوغان هو تلك الحملة الغربية الواسعة التي اشتدت مؤخراً على سياساته، بل الدعوة إلى شطب تركيا وإخراجها من عضوية حلف شمال الأطلسي. ومع أن البعض يربط بين الغضب الغربي وبين التوتر الذي ساد علاقات تركيا مع السويد بعد إحراق نسخة من القرآن الكريم في استوكهولم العاصمة وإعلان تركيا أنها لن توافق على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، لكنّ آخرين يرون أن الدافع الأساسي لإغلاق قنصليات تسع دول غربية بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في مدينة اسطنبول، التضييق على سلطة أردوغان وإرباك الساحة التركية بما يعتبر رسالة غربية من أن التصويت لأردوغان يعني استمرار الأزمة ومواجهة تركيا المزيد من الضغوط الاقتصادية وربما العزل على صعيد السياسة الخارجية.
ومع أن أردوغان قد يحوّل هذه الضغوط إلى ورقة تأجيج للمشاعر القومية لصالحه، فإن المحصلة أن معركة الرئاسة التركية تحولت إلى حرب داحس والغبراء وإلى المعركة الأهم في التاريخ التركي الحديث، ما بين من يريد استعادة الجمهورية العلمانية الحديثة وبين استمرار مسار يواجه تحديات قد تعاني تركيا من تداعياتها.