: آخر تحديث

أولويات ستُحدث الفرق...

41
28
30
مواضيع ذات صلة

لأنه بيت الشعب ومطبخ صوغ التشريعات والقوانين المتعلقة بحياة المواطنين ومستوى معيشتهم لضمان مستقبل واعد للأجيال القادمة، فمن البديهي أن تكون الأعين مسلطة والآذان متيقظة والرقاب مشرئبة عند كل جلسة من جلسات مجلس النواب الأسبوعية للوقوف على ما يتداوله الأربعون نائبًا، ولتفحص القوانين والتشريعات المُقترحة والمُناقشة لمعرفة ما يتعلق منها مباشرة بهموم الوطن والمواطنين وما يتعلق بها بشكل غير مباشر، وهذا حق من حقوق المواطنين لا ينبغي أن يُساومه عليه أحد. فنواب الشعب في مجلس الشعب لم يتشرفوا بالجلوس على كراسي البرلمان «الوثيرة» إلا بأصوات الناخبين بعد أن استمعوا إلى وعودهم عندما ترشحوا لتمثيل الشعب لينبروا للعمل الوطني وخدمة المواطنين كل بحسب خبرته وكفاءته وحسن أدائه. أما الأمور الأخرى مثل «الشو الاستعراضي» الذي بدأ بالظهور مع أحدهم في المجلس الخامس وراح ضحية له، فهي ليست من اهتمام المواطنين إلا إذا تدهور عمل النواب، ولم يعد عمل النائب يلبي طموحات المواطنين للانتقال إلى مستوى معيشي أفضل مما كان، وأصبح «الشو»- وهو واحد من الأشكال التعبيرية للشُعبوية - أبعد الله البحرين عنها- سيد الموقف برجاء الإقناع الفارغ من المعنى لإعادة انتخاب النائب مرة أخرى.

 هذه بديهية لا يمكن لأي أحد أن ينكرها، لا النواب ولا أعضاء مجلس الشورى ولا أعضاء السلطة التنفيذية، وعليه فإن على النائب أن يتحلى بالصبر وطول البال، وعلى السلطة التنفيذية - التي ينبغي علينا العمل على اقتلاع كذبة «المعارضة» التي تستزرعها في عقول المواطنين بوقوع السلطة التنفيذية والتشريعية على طرفي نقيض - ألا تضيق ذرعا بما يعبر به المواطنون في الصحافة والإذاعة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إذا كان ذلك لا يتعارض مع القوانين المرعية. بل لعلي أضيف هنا أن «معارضة» الجمعيات المنحلة شيء إذا ما استحضرنا أهدافها المتطرفة، والمعارضة الوطنية شيء آخر مختلف.

 منذ الجلسة الأولى الإجرائيةّ انقضى 61 يومًا من عمر المجلس حتى الآن، وبالتالي فهي ليست مدة طويلة بالطبع ولكنها فترة يمكن من خلالها تقليب صفحات الأداء الأسبوعي التي يطلعنا على تفاصيلها الإعلام بكل وسائطه التقليدية من تلفزيون وإذاعة وصحافة مكتوبة ووسائطه غير التقليدية وخاصة منها وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن عبرها تفحص التصريحات التي يدلي بها النواب والتي بدت مخيبة للآمال؛ إذ لا نفع في جلها. ولا أظن أننا نفتري على النواب إذا ما قلنا إننا إلى اليوم لا نستشعر بأننا قد انتخبنا مجلسًا جديدًا بدل المجلس السابق، أو إذا قلنا إننا نرى أداءً مختلفًا عمّا كان يجري في البرلمان السابق. كل شيء على ما هو عليه! وهذا بطبيعة الحال لا يرضي المواطنين وجمهور الناخبين تحديدًا، فهم من ينتظرون من الذين انتخبوهم عملاً يتسم بالقدرة على المناورات البرلمانية لانتزاع مزيد من الحقوق بالقوانين والتشريعات، بعيدًا عن اللجوء السريع إلى المقترحات الشعبوية السهلة التي لا تنتج مفيدًا بل إن في بعضها ضررًا لا يُنكر. فعلى سبيل المثال ما الفائدة المرتجاة من مقترح النواب الذي تم التصويت عليه بخصوص التعليم عن بعد خلال شهر رمضان الكريم؟

 ألا يُعد هذا المقترح تعبيرًا ضمنيًا عن تصور شعبوي يقرن صوم رمضان بالكسل والقعود عن العمل؟ وهل لنوابنا الكرام علم بما يتحدث عنه الخبراء من فاقد تعليمي يعود نصيب وافر منه إلى التعلم عن بعد؟ لن أخوض أكثر في تفاصيل هذا المقترح الشعبوي؛ لأن إقرار التعليم عن بعد أو التعليم الهجين أو الحضوري أمر لا يمتلك إقراره غير وزارة التربية والتعليم؛ ولأن، المقترح المذكور سيكون ضرره كبيرًا على النشء. ولا أعتقد أن المقارنة بين التعليم عن بعد إبان الجائحة وشهر رمضان صائبة. فالجائحة عدوى تتطلب الابتعاد الاجتماعي، والصيام لم يكن يومًا جائحة تتطلب الاعتكاف في المنازل واعتزال الحياة الاجتماعية. المقترح لا ينم عن فهم لا بالتربية ولا التعليم ولا حتى برمضان.

 التجارب النيابية الخمس السابقة لا تسمح للمواطنين بأن يتريثوا ويصبروا أكثر على ممثليهم وهم منذ البداية يتلهون بالمماحكات التي باتت بشائرها تلوح تحت قبة البرلمان. الناخبون ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وكلهم أمل في تغيير المشهد البرلماني ومحو الخيبات السابقة وفي صول الكفاءات الوطنية المطلوبة القادرة على تحقيق الاحتياجات إلى المجلس النيابي، وهي احتياجات معروفة، بل إنها أولويات مُحددة نقاطها واضحة معالمها، وينبغي أن تبقى دائمًا أمام أعين النواب شاخصة: أولها إيجاد الحلول الناجعة والعاجلة لمكافحة الغلاء الفاحش الذي باتت تكتوي به جيوب المواطنين حد الجأر الصريح بالشكوى، وثانيتها القضاء على البطالة بشكل بات، وبعيدا عن الخطابات الشعبوية الرثة، عبر ابتكار فرص استثمارية في القطاعين العام والخاص تخلق وظائف يكون مردودها المادي مجزيا، وثالثها العمل على عودة زيادة المتقاعدين التي أوقفت من دون وجه حق.

هذه الأولويات، بإيجاز، هي التي ستحدث الفرق بين هذا المجلس وبين المجالس الخمسة السابقة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد