في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية لم تبلغها منذ عام 2008، وقد تتخطاها عن قريب، تستعر في الخلفية نار أزمة غذائية تهدد العديد من سكان العالم بالجوع، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية التي تدور رحاها حالياً.
ورغم أن الصراعات المسلحة والمجاعات كانتا دائماً توأمين متلاصقين، إلا أن الأزمة المرتقبة، أو بشكل أدق التي بدأت نُذُرها في الظهور بالفعل، تتميز بمواصفات خاصة ستزيد من وطأتها، وذلك لأسباب عدة، أولها أنها تأتي على خلفية تضخم عالمي في أسعار السلع غير مسبوق، وخصوصاً في أسعار الغذاء، نتيجة وباء كورونا الذي استمر لأكثر من عامين، ووجَّه ضربات موجعة لسلاسل الإمدادات والعمليات اللوجستية خلال هذه الفترة.
السبب الثاني، هو حجم مساهمة الدولتين المتصارعتين في مجمل الإنتاج العالمي من القمح، والمقدّر بربع الإنتاج العالمي، بمعنى أن كل أربعة أطنان تنتجها البشرية حالياً من القمح، يتم إنتاج طن منها في روسيا وأوكرانيا. وتزداد هذه النسبة إلى أكثر من ذلك بكثير، على صعيد كميات القمح المتاحة للبيع في السوق العالمي، حيث تستهلك معظم الدول المنتجة للقمح إنتاجها محلياً، لتظل روسيا وأوكرانيا أكبر المصدِّرين لهذه السلعة الأساسية. وحسب قانون العرض والطلب، سترتفع الأسعار بشكل جنوني نتيجة نقص المعروض من القمح. أضف إلى ذلك أن ارتفاع أسعار الطاقة الذي أشرنا له سابقاً، سيزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي، للقمح وغيره من المنتجات الزراعية، وهي الزيادات التي يتحملها المستهلك وإن بشكل غير مباشر. ناهيك عن أن أوكرانيا تعتبر منتجاً رئيسياً للذُّرَة والزيوت النباتية مثل زيت زهرة عباد الشمس أحد المكونات الرئيسية في الطبخ.
ومما يزيد الطين بلةً أن الأسمدة الكيميائية التي تستخدم لزيادة الإنتاج الزراعي، والحصول على محاصيل وفيرة، ستتأثر هي الأخرى، للأسباب التالية. أولاً: إنتاج هذه الأسمدة يستهلك الكثير من الطاقة المستمدة من الغاز الطبيعي والذي بلغت أسعاره مستويات قياسية. كما أن هذا الغاز يعتبر المكون الأساسي لإنتاج مادة الأمونيا المستخدمة في إنتاج أسمدة النيتروجين. ثانياً: تعتبر روسيا منتجاً هاماً ورئيسياً للمواد الأولية التي تستخدم في صناعة هذه الأسمدة، مثل الفوسفات والبوتاس. وبالفعل قامت روسيا باستخدام سلاح الأسمدة الزراعية عبر إصدارها تعليمات لمنتجي مكونات الأسمدة الزراعية بوقف عمليات التصدير. ولإدراك أهمية هذا السلاح، يكفي أن نعلم أن إنتاج بعض المحاصيل الزراعية، سينخفض بمقدار النصف، إذا لم يتم تسميدها بالأسمدة الكيميائية.
هذا الموقف برمته، دفع مؤخراً مديرَ برنامج الغذاء العالمي في الأمم المتحدة، للتحذير من أن الصراع الجاري ستكون له آثار كارثية على الإنتاج العالمي من الغذاء، مما سيثقل كاهل الطبقات المتوسطة، وسيدفع بالفقراء إلى هاوية المجاعة، في وقت زادت فيه بالفعل أعداد مَن يعانون المجاعةَ حالياً من 80 مليوناً إلى 270 مليوناً في غضون السنوات الأربع الماضية فقط.
الأزمة الغذائية العالمية المرتقبة
مواضيع ذات صلة