عمر العمري
وانا أتابع هذه الأيام أجواء الحملات الانتخابية في العاصمة الرباط، خصوصا في بعض الأحياء الشعبية، محاولا ان أتلمس ميولات الناس البسطاء، وأن أتحسس مكنوناتهم الداخلية، وان أعرف آراءهم بخصوص السياسة العامة للبلاد، وحصيلة الحكومة المنتهية ولايتها، وقفت على مجموعة من الملاحظات أسردها كالتالي:
أولا: هناك استياء شبه عام من حصيلة حكومة بنكيران، بل هناك انتقاد حاد لتجربة العدالة والتنمية خلال المرحلة الماضية، وأن رئيس الحكومة لم يكن في مستوى الطموحات والآمال التي علقها عليه المواطنون، وانهم كانوا يتوسمون فيه إصلاحات جوهرية تغير من وضعيتهم المتردية وتحسن من ظروف عيشهم القاسية. وأغلب الذين تحدثت معهم في هذا الباب يركزون بشكل أكثر على الجانب المعيشي وعلى غلاء السوق وارتفاع الأسعار، وأنه لم يعد بالإمكان مجاراة الزيادات التي أقدم عليها بنكيران في خمس سنوات الفائتة، وأن الأجرة الهزيلة لم تعد كافية لقضاء أتفه الحاجيات..
ثانيا: أصبح كثير من هؤلاء المواطنين يرفعون شعار التغيير، أي يريدون حكومة جديدة قادرة على معالجة القضية الاقتصادية والاجتماعية، هذا مع إقرار بعضهم بأن بنكيران ربما يكون إنسانا صالحا أونظيفا أو متدينا، لكنه لم يستطع أن يفي بالوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه سنة 2011، خاصة الشعار الذي نادى به ورفعه خلال حملته الانتخابية وهو محاربة الفساد والاستبداد، ونصرة المستضعفين والوقوف إلى جانبهم في محنتهم. بمعنى آخر أن الناس لم يعد يهمهم أن يكون المرشح "متدينا" حتى يمنحوه صوتهم، وإنما يبحثون عمن يستطيع أن يخدمهم أكثر..
ثالثا: الميزان الذي يقيس به المواطنون الحالة العامة للبلاد ليس هو ميزان حكومة بنكيران، الذي يعتمد على التوازنات "الماكرو" أو "الميكرو" اقتصادية أو المصطلحات الرنانة، التي تدبج بها البرامج الانتخابية أو التصريحات السياسية، هذه أشياء لا يعيرون لها اهتماما، إنما يزنون الأمور بتعاملهم المباشر مع تقلبات السوق وارتفاع او انخفاض الأسعار وحالة أثمنة المواد الغذائية، ومدى تأثير ذلك على الأجرة وعلى قدرتهم الشرائية وعلى توازناتهم المالية البسيطة، ومن خلال هذه الحسابات، التي قد تبدو في نظرنا تافهة أو بسيطة، يبنون مواقفهم السياسية ويحددون مواقفهم من الأحزاب السياسية ومن قادتها ومرشحيها.
رابعا: أكاد أجزم بأن بنكيران أخطأ كثيرا عندما ظن أن المواطنين سيصبرون على قراراته اللاشعبية، وأنهم سيقدرون إجراءاته القاسية، التي مست جيوبهم، وأثرت بشكل بالغ على ميزانياتهم الضعيفة، لذلك يراهن رئيس الحكومة على انهم سيمنحونه ولاية ثانية لاستكمال تدابيره الإصلاحية، لكن من خلال التواصل مع فئات من الناس، لاحظت أنهم غير مستعدين لتوقيع من جديد شيك على بياض لبنكيران، خصوصا وأن تصريحاته الأخيرة، وفي عز الحملة الانتخابية، برفع الدعم عن "البوطة"، كان له وقع سيء على نفسياتهم، وأجهز عما تبقى من آمالهم في الإصلاح الذي وعدهم به.
أرى من خلال كل ما تقدم بأن الكتلة الناخبة تتجه نحو تصويت عقابي ضد حكومة العدالة والتنمية وباقي مكوناتها الحزبية، وضد سياساتها التفقيرية، وقراراتها المجحفة في حق الضعفاء ومحدودي الدخل، وليس كما يروج أتباع الحزب بأن هناك جهات "تحكمية" تعمل بالليل والنهار من أجل تزوير الانتخابات لصالح حزب معين، وهم بتحركاتهم هاته يتحسبون للهزيمة التي قد تلحقهم يوم الاقتراع، ويهيئون من الآن مشاجب لتعليق عليها فشلهم الانتخابي.
ويلاحظ ذلك من خلال حملاتهم الإعلامية المشككة في العملية الانتخابية، والتكثيف من نشر كل ما من شأنه أن يطعن في استحقاقات 2016، وترويج صور وفيديوهات أو "دراسات" تشكك في اللوائح الانتخابية، ونشر أخبار عن تدخل أعوان السلطة ودعمهم لحزب
معين وهو حزب الآلة والمعاصرة، وقد ثبت من خلال تصريحات وزير الداخلية، وهو أحد أعضاء اللجنة الوطنية المكلفة بالانتخابات إلى جانب مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، أنها ادعاءات تعوزها الإثباتات.
ما أريد أن أنتهي إليه هو أن فشل بنكيران ليس مرده الأشباح والتماسيح وجهات "التحكم"، وإنما سياسته الرعناء الماسة بالمصالح الحيوية للمواطنين وقدرتهم الشرائية، وأن الكتلة الناخبة كما منحته أصواتها سنة 2011 يمكن أن تعاقبه هذا العام، وأن ترفع في وجهه الورقة الحمراء لمغادرة مربع الحكم والجلوس في مقاعد المعارضة لعله ينتبه إلى أخطائه ويصلحا في المستقبل. وأما التذرع بوجود التحكم او التشكيك في العملية الانتخابية او الديمقراطية، فهي حيل لن تنطلي على احد أمام تزايد وعي المواطنين ومتابعتهم الدقيقة لما يجري ويدور في هذه الأيام.