إيلاف من البندقية: في تجربته السابعة بالتواجد في مهرجان "البندقية"، قدم المخرج الإيطالي جياني أميليو فيلمه الجديد "ساحة المعركة"، الفيلم الذي يعود بنا إلى الوراء لأكثر من قرن، وتحديداً خلال الحرب العالمية الأولى.
كان الفيلم من بين العروض التي حازت ردود فعل إيجابية ضمن أفلام المسابقة الرسمية للمهرجان في نسخته الجديدة.
إبراز العواطف أهم من مشاهد الحرب
يقول جياني أميليو لـ"إيلاف" إن فكرة تقديمه لفيلم عن الحرب دون وجود ساحة الحرب ومشاهدها أمر لم يزعجه لعدة أسباب، منها أن هذه الصور واللقطات أصبحت أموراً مكررة نشاهدها بشكل شبه يومي على الشاشات، ويمكن رصدها في القنوات الإخبارية بسهولة مما يحدث في غزة أو أوكرانيا، مشيراً إلى أنه فضل أن يكون فيلمه يركز بشكل أكبر على العواطف، مما يجعله أكثر قوة في إيصال رسالته.
تدور أحداث الفيلم عام 1918 خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى داخل مستشفى في إيطاليا يصل إليه الجنود الذين لا يرغب أغلبهم في العودة لاستكمال القتال، بل يصيبون أنفسهم عمداً. يؤدي غابرييل مونتيسي دور ستيفانو، وأليساندرو بورغي دور جوليو، وهما صديقان منذ الطفولة ويعملان الآن كطبيبين داخل المستشفى، لكن لكل منهما طريقته في التعامل مع الجنود. بينما تقف آنا (فيديريكا روسيليني)، وهي ممرضة في الصليب الأحمر، بجانب أفكار ستيفانو.
أفلام الحرب عادة ما تستغل البشر
يؤكد المخرج الإيطالي أن قراره بأن يكون الفيلم عن الحرب كان نابعاً من التزام أدبي وموقف أخلاقي، نظراً لرؤيته أن أفلام الحرب عادةً ما تتحول إلى مغامرات وتصبح نوعاً أدبياً على غرار الأفلام الغربية التي لطالما استغلت البشر وأغفلت التركيز عليهم. مشيراً إلى أن هناك العديد من الطرق للحديث عن الحرب، وواحدة من هذه الطرق ما شاهده في فيلم "إنقاذ الجندي ريان" الذي ركز فيه على البشر وإظهار معاناتهم، وليس مجرد استغلالهم وتحويلهم إلى مشاهد هنا أو هناك.
وأضاف أن أكثر ما أعجبه في الفيلم ارتبط بعمق التأثير الذي تركه تصوير الكاميرا لأجساد الجرحى ومعاناة المصابين وهم يتعرضون للموت، بصورة عكست المعاناة الحقيقية للحرب، التي يكون عادة هدف الكثير منها مرتبطاً بالترفيه فقط. معتبراً أن فيلم "فول ميتال جاكيت" أحد أهم الأفلام التي عالجت الموضوع من منظور إنساني.
لا فرق بين ضحايا حروب اليوم وأمس
لا ينكر المخرج الإيطالي أن فيلمه عن الماضي يتجاوز الزمن ويتطرق إلى المستقبل بصورة أو بأخرى، الأمر الذي يراه انعكاساً مرتبطاً بأن المشاعر والنظرة إلى الماضي لها دور في الاتجاه نحو المستقبل. مشيراً إلى أن الجنود والضباط الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من 100 عام، يشبهون الشباب الذين يُقتلون اليوم في الحروب وهم في نفس أعمارهم.
وأوضح أن فيلمه عمل على إثارة المشاعر من خلال شخصين لهما منظوران مختلفان، لكنه يؤكد أن الحرب تؤذي الأبرياء فهم أول ضحاياها. حتى من هرب من المعركة وأصاب نفسه كي لا يعود للقتال مجدداً تعرض للتشويه ولم يعد قادراً على العيش كما كان من قبل.
لغة إيطالية مختلفة
وأشار إلى أنه كان حريصاً على التركيز على الأشخاص دون أن ينسى المعركة الحربية الموجودة في الخلفية، بالإضافة إلى الخلفيات التي شكلت موقف كل طبيب. لافتاً إلى أن الشباب الذين تورطوا في القتال بالحرب كانوا في أعمار صغيرة جداً ووجدوا أنفسهم مطالبين بالقتال دون تدريبات عسكرية بعدما منحوا بنادق صغيرة.
وهو موقف يشبه العديد من المرتزقة الذين يقاتلون اليوم في مناطق عدة حول العالم.
من بين التفاصيل التي حرص عليها جياني أميليو في الفيلم كانت اللهجات الإيطالية المختلفة التي برزت في أحاديث الجنود. وهو الأمر الذي يرجعه إلى أن المحاربين قدموا من جميع المناطق الإيطالية، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في اللهجات التي يتحدثون بها. لافتاً إلى أن هذه النقطة كانت من بين التفاصيل التي ركز عليها مع فريق مساعديه.