إيلاف من البندقية: احتضن مهرجان البندقية في دورته الـ81 عرض الفيلم الوثائقي "السودان تذكرنا"، الذي قدمته المخرجة التونسية هند المؤدب. وسيُعرض الفيلم في عرضه العالمي الثاني خلال الشهر الجاري في مهرجان تورونتو السينمائي بكندا.
يندرج الفيلم ضمن فئة الوثائقيات، إذ يستعرض نضالات الشعب السوداني وثوراته، موثقًا الفترة الممتدة بين سقوط نظام عمر البشير في 2019 واندلاع الحرب الأهلية في 2023. يسلط الضوء على قصص الشباب السودانيين الذين شاركوا في هذه الأحداث، بما في ذلك شجن، مزمل، مها، وغيرهم، ممن خاطروا بحياتهم لتحقيق أحلامهم بالحرية والمساواة.
تبدأ الأحداث بامرأة تخبر صديقتها عبر الهاتف أن الحرب الأهلية في السودان بالكاد يتم ذكرها على التلفزيون الفرنسي. في إحدى دورات المياه، وبينما تُلقي طائرة قنابل على منطقة حضرية، نعود بالزمن إلى الوراء أربع سنوات، لنجد أنفسنا في عام 2019، حيث تظهر الخرطوم في ذروة الثورة السودانية، مليئة بالتفاؤل.
تعود المخرجة إلى زمن الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير بعد 30 عامًا قضاها في السلطة، مع السعي نحو تطبيق الديمقراطية في ثالث أكبر دولة إفريقية. كان المواطنون في غاية السعادة، يهتفون بأغانٍ وطنية، ويشعرون بالفخر الوطني، يسيرون في شوارع المدينة بثقة، معتقدين أنهم استعادوا السيطرة على مستقبلهم.
اعتمدت المخرجة هند المؤدب على أسلوب سينمائي وثائقي يجمع بين البعد الصحفي والبعد الشعري. يصور الفيلم قصصًا حية وحقيقية من قلب السودان، ويمزج بين اللقطات المباشرة وشهادات الثوار السودانيين بطريقة تعكس الواقع القاسي والأمل في آن واحد. التصوير أظهر مشاهد حية من الاحتجاجات والتجمعات الجماهيرية، مع التركيز على اللحظات الصعبة والمؤثرة التي عاشها الشعب السوداني أثناء مواجهته للقمع العسكري.
يتناول الفيلم قضايا كبيرة مثل الحرية، القمع، والعدالة الاجتماعية. يُظهر كيف أن الصراعات التي يواجهها الشعب السوداني ليست مجرد قضية محلية، بل هي جزء من نضال عالمي من أجل الحرية وحقوق الإنسان. كما يطرح تساؤلات حول دور العالم في دعم هذه الثورات أو تجاهلها، مسلطًا الضوء على التضامن البشري والأمل في التغيير حتى في أصعب الظروف.
حصل الفيلم على إشادة كبيرة في فينيسيا، حيث اعتبره النقاد توثيقًا قويًا ومؤثرًا لفترة مفصلية في تاريخ السودان. فقدرة "المؤدب" على نقل معاناة وصمود الشعب السوداني بأسلوب مؤثر وواقعي جعلت من "السودان تذكرنا" فيلمًا لا يُنسى، يعكس النضال المستمر من أجل الحرية والكرامة.
ولكن يبقى السؤال: هل قدم الفيلم عن الثورات والمظاهرات العربية شيئًا جديدًا أو معالجة مختلفة عما طُرح سابقًا، أم أنه مجرد فيلم مشابه لتجارب سابقة في طرحه وتناوله للثورات، وإن كان حالماً ورومانسياً بشكل أبعد ما يكون عن الواقع الحقيقي؟