دعوة لاغتنام الفرصة اطلقها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قبيل وصوله الى جدة لحضور القمة العربية المنعقدة في السعودية.
ففي مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، شدد السوداني على أن الجامعة العربية تحتاج إلى استراتيجية موحدةٍ تقرّب من الأواصر والأفكار بين العرب وتحتوي الخلافات بين الدول الأعضاء بما يحقق الهدف من ميثاقها، ويعود بالنفع والسلام على الشعوب المنضوية تحت شعارها.
تلك الاستراتيجية هي اقرب للتحقق من أي وقت مضى اذ تكتمل مقاعد الجامعة العربية بعد عودة سوريا لشغر مقعدها بدعم من بغداد، وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي الى التأكيد على ان الصورة العربية الممزقة التأمت وآن الأوان لأن يكون العرب اقدر على حل مشاكلهم الداخلية دون املاء او تدخل اجنبي.
"الاستقرار العربي يعتمد على وحدة الرؤى ويتطلّب تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية أكثر من أي وقت مضى، ولا مكان للفرقة السياسية التي عطّلت هذا التعاون لسنوات، وسمحت بأن تتصرف الدول المعزولة خارج إطار الجمع العربي."
ويكشف السوداني في مقاله عن رؤيته لما يعتبر انه المخرج من مشاكل العرب التي ظلت لسنوات عصية على الحل، وهو التكامل الاقتصادي.
فقد ركز على المشاريع الاقتصادية، القائمة والمستقبلية، المشتركة بين العراق والدول العربية الأخرى؛ وفي مقدمها طريق التنمية الاستراتيجي الذي يطمح العراق من خلاله لربط شرق المعمورة بغربها بداية من ميناء الفاو وصولاً لتركيا ومنها إلى أوروبا. وحرصاً منه على مد جسور التعاون الاقتصادي مع جيرانه العرب، تستعد بغداد لاحتضان اجتماع يضم وزراء نقل دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا والأردن أواخر هذا الشهر فضلاً عن تركيا الشريك الرئيس في المشروع وكذلك ايران.
وحضور إيران لهذا الاجتماع يدل أيضاً على رغبة العراق الصادقة في تقريب المسافات بين الخليج وإيران بعد سنوات من القطيعة التي أضرت بالمنطقة سياسياً واقتصادياً، والتي تكللت باتفاق سعودي إيراني على عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بوساطة عراقية ظلت بغداد خلالها تعمل بوعي وصبر على عودة الحوار بينهما حتى تحقق الهدف.
وذهب السوداني يعدد في مقاله أوجه التعاون الاقتصادي بين العراق والدول العربية في ستة اشهر فقط هي عمر حكومته التي تشكلت بعد مخاض سياسي داخلي بدا العراق بعده وكأنه يولد من جديد، لكن تلك قصة أخرى.
فبين شراكة قطرية في مشروع "نمو الغاز المتكامل" الذي تشرف عليه شركة توتال إنرجيز الفرنسية العملاقة، وربط كهربائي مع السعودية من جهة وتعاون زراعي ومصرفي مع المغرب من جهة أخرى مروراً بالتعاون مع مصر في مجالات اقتصادية عدة، تكون بغداد قد عززت رؤية السوداني الاقتصادية لهذا التكامل العربي.
وهذا التحليل يعززه حرص السوداني على استقبال وفدين من رجال الأعمال القطريين والإماراتيين قبل سفره لجدة لحضور القمة العربية، وهما اجتماعان أكدا خلالهما انفتاح العراق "اقتصادياً" على محيطه الإقليمي والدولي.
"فتح العراقيون أذرعَهم ترحيباً بإخوانهم العرب الذين جاءوا من كل حدب وصوب إلى عراقِهم الشقيق لحضور بطولة كأس خليجي 25".
ويطرح السوداني في مقاله أساساً لم يكن مطروحاً من قبل وهو التقارب الرياضي بين الدول للعربية لإصلاح ما افسدته السياسات والإيديولوجيات التي اثبتت خلال السنوات الماضية انها لن تفيد أحداً بل فرقت الدول العربية دون أي نفع للشعوب.
فليس دال على صحة كلام السوداني من بطولة كأس الخليج التي حرص على وصفها بكأس الخليج العربي رغم علمه بان هذا الأمر قد يثير حفيظة الجار والحليف ايران، لكنه يعي ان العراق ينبغي ان يعود لدوره كرائد لوحدة العرب ورفعة شأنهم.
تلك البطولة شهدت ألواناً من التلاحم بين العراقيين وضيوفهم الخليجييين والعرب والتي كانت حديثاً لأيام وشهور عن الكرم العراقي وحسن الضيافة ودلت على أن السياسة قد تفسد العلاقات بين الحكومات لكنها لن تفرق أبداً ما جمعته اللغة والتقاليد والأعراق عبر مئات السنين.
مقال رئيس الوزراء العراقي في الشرق الأوسط ما هو إلا تعبير عن نهج عراقي غير مسبوق، يعتمد على التنمية الاقتصادية في المقام الأول ويخاطب وجدان الشعوب العربية التواقة للسلام ويوجه نصيحة مخلصة للقادة العرب بأن قمتهم .. فرصة ذهبية.