دأب "حزب الله" على الترويج لنموذج "الجمهورية الإسلامية في إيران"، مستعينًا بما يعاني منه اللبنانيون ليتحدّث عن "الرفاهية" التي يزعم أنّ الإيرانيين يتمتّعون بها.
وقد أطلق، أمس نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أحدث "الصيحات" في هذا المجال، إذ كتب الآتي:" في إيران: الكهرباء ٢٤/٢٤ بمعدَّل تكلفة للبيت الواحد شهرياً ٢٠٠ ألف تومان أي ٧ دولار تقريباً، وغاز التدفئة في البيت ٥٠ ألف تومان أي أقل من ٢ دولار. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنصف شعبها وتعطيه حقَّه بعزَّة واقتدار".
لا عجب في ذلك، ف"حزب الله" لا يدين للجمهورية الإسلامية في إيران بموارده المالية والعسكرية والأمنية فحسب بل بعقيدته المذهبية أيضًا.
ولا تقتصر مهمّات "حزب الله" على الإندماج في الأجندة التي يضعها "الحرس الثوري الإيراني" فقط، إذ إنّ "رسالته" الجوهريّة تقوم على "لبننة" النموذج الإيراني لتطبيقه في "بلاد الأرز"، عملًا بمبدأ "تصدير الثورة".
ونظام "الجمهورية الإسلامية في إيران" الذي لا يزال، على الرغم من تراكم السنوات الطوال يعتبر نفسه "ثورة"، يقيم كيانين منفصلين: مؤسسات الثورة التي استلمها "الحرس الثوري" وأنشأها ورعاها وأدارها، وهي الأقوى والأغنى والأفعل، ومؤسسات الدولة التي هي "النسيب الفقير" الذي يخضع لإرادة " النسيب الغني".
وإذا صحّ أنّ "حزب الله" لا يتطلّع إلى إلغاء الدولة ومؤسساتها في لبنان، إلّا أنّ الأكثر صحّة أنّه يريدها ولكن خاضعة لقوّته وغناه وسيطرته، في استنساخ أمين للحالة الإيرانية.
وعليه، فإنّ في الترويج للنظام الإيراني الحالي مصلحة ل"حزب الله" وواجبًا.
ولكن هل يقع هذا الترويج في مكانه الصحيح، حتى يتهافت اللبنانيون على طلب تعميمه، خصوصًا وأنّ "حزب الله" قد مهّد الطريق أمام هذا الإحتمال؟
إذا تمّ التمعّن في الأسلوب الذي يتّبعه، يتّضح أنّ الصورة التي يقدّمها "حزب الله" لواقع "الجمهورية الإسلامية في إيران" ليست كاملة على الإطلاق وتتناقض، في كثير من مفاصلها الأساسية والمحورية والجوهرية مع الحقيقة الكاملة، وهذا يعني أنّ هذا الأسلوب يدخل، حتمًا، في سياق "البروبغندا".
وطبقًا لقواعد "البروبغندا"، فإنّ "حزب الله" يجتزئ واقعة محدّدة من سياقها، و"يغزل" عليها النظريّات التي تلائمه.
وفي هذا السياق، فإنّ الأخذ بأسعار الغاز والكهرباء التي تكلّم عنها الشيخ قاسم، وهي كلفة الحدّ الأدنى، يُظهر تجاهلًا فاضحًا لبطالة تُعاني منها اليد العاملة الإيرانية بنسبة تفوق ثلاثين بالمائة، في حين يجاهد أكثر من عشرة ملايين إيراني، على الأقل، للحصول على مدخول لا يكاد يصل الى مستوى خمسين بالمائة من الحدّ الأدنى المعلن للأجور الذي يبقى، أصلًا، بنسبة خمسين بالمائة، في أفضل الأحوال، دون خط الفقر المدقع المعمَّم على ما يقارب الثمانين بالمائة من الشعب الإيراني.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ مستوى الحياة لا يُقاس حصرًا بالتركيز على أسعار الكهرباء والغاز، ولو كانت بالمقارنة مع الدخل المتوافر باهظة الثمن نسبيًا، إذ إنّ "إعطاء العزّة والإقتدار"، وفق أدبيات الشيخ قاسم، يستدعي جولة على الكلفة الإجمالية لضروريات الحياة من مأكل وملبس ومأوى ورعاية صحية وعلاج ومواصلات، وهي غير متوافرة إلّا ل"مجموعات محظوظة".
وليس أدلّ على "التعتير" الذي يعاني منه الإيرانيون سوى التظاهرات المطلبية التي لا تستريح منها المناطق الإيرانية حتى بمعدّل يوم واحد في الأسبوع، حيث تقدّم الأدلّة على أنّ الكارثة التي يعيش "الفُرس الجدد" في ظلّها لا تقتصر على الإفتقار المالي، بل تسحب نفسها على سوء الخدمات، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، النوعية الرديئة جدًّا للمياه التي تصل الى منازل المواطنين.
وكان لافتًا للإنتباه، أنّه في اليوم نفسه الذي كتب فيه الشيخ قاسم موقفه الترويجي، كانت الصحف الإيرانية تركّز على وجه آخر من وجوه المأساة الإجتماعيّة في إيران.
وفي هذا السياق، اهتمّت صحيفة "صمت" التابعة لوزارة الصناعة والتجارة الإيرانية في تقرير لها، بظاهرة الهجرة التي بدأت تضرب قطاع الصناعة والتجارة في البلاد، موضحة أن تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران ونشاط بعض الدول العربية المجاورة في أعمال صناعية عزّزا ظاهرة هجرة الإيرانيين إلى هذه الدول، لافتة الإنتباه إلى أن الدول الخليجية، وبعد بدء العمل، على مشروع صناعة السيارات الكهربائية أصبحت تستقطب العمال الإيرانيين في هذا المجال.
ومن بين أسباب تزايد أعداد المهاجرين أوردت الصحيفة الآتي: أزمة العقوبات وآثارها الاقتصادية على الواقع المعيشي، ووجود مسؤولين حكوميين غير أكفاء وقليلي الخبرة لا يهتمون بأصحاب الخبرات والحرفيين، تدفع بالأكفّاء في نهاية المطاف إلى التفكير بالهجرة ومغادرة البلاد.
ويضاف إلى هذه الهجرة هجرات نوعية أخرى، إذ إنّ الأطباء الإيرانيين يستغلّون أدنى عروض تصلهم ليتركوا بلادهم.
وبغض النظر عن "تشويه" الشيخ نعيم قاسم للحقيقة الإيرانية المرّة، ف"حزب الله" ليس بريئًا، بأيّ شكل من الأشكال، من المعاناة التي يقاسيها اللبنانيون، على مستوى الكهرباء والموارد النفطيّة، إذ إنّه، ومنذ سنوات طويلة جدًّا، وضع يده على وزارة الطاقة، من خلال وقوفه بصلابة، لمصلحة تسليمها الى "حلفائه" في السلطة، وكان آخرهم، منذ العام 2009، ومن دون انقطاع، "التيّار الوطني الحر" الذي تارة يُقلّد "صاروخ المقاومة" وتارة أخرى يتم تنصيبه على "عرش الوطنية" بإتاحة الفرصة أمامه لرجم الجدار الحدوديّ الإسرائيليّ ب"حجر المقاومة"!
وفي مطلق الأحوال، لو أنّ قياس "قيمة الأنظمة" يقوم على ما توفّره من خدمات، وفي حال صحّ ما نسبه الشيخ نعيم قاسم إلى إيران، فالغلبة سوف تكون، وفق هذا المعيار، لإسرائيل!