تونس: قبل أيام قليلة من انتهاء "الاستشارة الوطنية" الإلكترونية التي قدمّها الرئيس التونسي قيس سعيّد على أنها المرحلة الأولى من مشروعه السياسي، لم يتجاوز عدد المشاركين بها الخمسمئة ألف، ما يعكس عدم اهتمام لدى المواطنين المنشغلين بتدهور أوضاعهم المعيشية والاجتماعية.
وانطلقت هذه الاستشارات في منتصف كانون الثاني/يناير وتغلق الأحد والهدف منها جمع آراء ومقترحات التونسيين قبل إجراء استفتاء على دستور 2014 صيف هذا العام.
ويمثّل عدد المشاركين على موقع الاستشارة الإلكتروني حوالى 6% من الجسم الانتخابي المقدّر بأكثر من سبعة ملايين ناخب، حسب إحصاءات رسمية.
ونصب أنصار سعيّد الذي أعلن في 25 تمّوز/يوليو الفائت تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة السابق وتولي السلطات التنفيذية بنفسه في البلاد، خياما في عدد من الشوارع الرئيسية وسط المدن الكبرى في محاولة لتشجيع التونسيين على القيام بما يصفونه "بالواجب الوطني".
ويقول إلياس وهو شاب ثلاثيني من أمام خيمة نصبت في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس "هي فرصة لكل تونسي كي يكون فاعلا ومقرّرا لمستقبل بلاده".
بينما ترى سارة (32 عاما) الموظفة أنه "من الجيّد أن تُعرف آراء الناس لكي يتم وضع الإصلاحات اللازمة".
وتتمثل الاستشارة في الإجابة عن أسئلة مختلفة تتمحور حول السياسة والاقتصاد والمسائل الاجتماعية والانتقال الرقمي والصحة والتعليم والثقافة وجودة الحياة والثقافة.
وقال سعيّد إن السبب في ضعف الإقبال "الصعوبات الفنية التي تعترض المواطنين والمواطنات في المشاركة في الاستشارة الشعبية الإلكترونية"، وهي صعوبات "بعضها ناتج عن جملة من الاختيارات الفنية التي يجب تذليلها"، وأخرى "مقصودة من الذين يريدون تكميم الأفواه وإجهاض هذه التجربة الأولى من نوعها في تونس"، في إشارة إلى معارضيه لا سيما منهم حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية الذي اعتبر أن ما ما يقوم به سعيد "انقلاب على الدستور".
وطلب الرئيس مطلع الأسبوع الفائت من رئيسة الحكومة نجلاء بودن أن تمنح الانترنت بالمجان للتونسيين ليتمكنوا من النفاذ الى موقع الاستشارة والمشاركة حتى انتهائها في 20 آذار/مارس الحالي.
وعلّق ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي "الشعب يموت جوعا وهمّهم الوحيد الاستشارة".
وتقول صفية وهي تدير محلّا تجاريا "الرئيس يريد استعمال الشعب للوصول إلى أهدافه".
ويشاطرها الرأي زميلها حسن الذي يعتبر أن "الناس غارقون في الفقر واليأس، وهو يحدّثنا عن السياسة. حقا تعبنا".
وستُجمع نتائج الاستشارة وتُعالج، حسب الرئيس التونسي، من جانب خبراء لم يتضح بعد من يعينهم، وسيتم من خلالها بلورة خطوط كبرى لمشروع استفتاء مقرّر في تموز/يوليو القادم لتنقيح الدستور الذي يريده سعيد أن ينصّ على نظام سياسي "رئاسي".
وذكر شباب كثيرون أنهم لم يعرفوا بالاستشارة بالرغم من الحملات الدعائية المكثفة على وسائل الإعلام والتلفزيون منذ أسبوعين. ويقول الطالب وجدي "كان من المفروض أن يبحثوا عنّا (لنتلقى الإعلان) على إنستغرام وتويتر وفيسبوك".
ويقول المحلل السياسي حمزة المؤدب "من الواضح أن هناك غياب للاهتمام بهذه الاستشارة".
ويتابع "لم يُدرَس التوقيت جيّدا". وفي تقديره، كانت الاستشارة لتنجح لو تمّ إطلاقها مباشرة بعد قرارات 25 تمّوز/يوليو الفائت التي علّق العديد من التونسيين آمالا عليها للخروج من الوضع المتردي الذي وصلت اليه البلاد.
ولكن بعد سبعة أشهر من إعلان الرئيس احتكار السلطات، "ظهرت مشاكل عديدة أحبطت الناس". وكان الدعم الذي حظي به إعلان 25 تمّوز/يوليو ناتجا عن "رفض لكل ما كان يجري من قبل (برلمان معطل وحكومات غير مستقرة) وعلى أمل إنجاز تغييرات. لكن الرئيس أظهر أنه لا يملك مشروعا ولا برنامجا لتحسين الواقع المعيشي للناس"، حسب المؤدب.
فالتونسيون منشغلون بتفاقم الصعوبات الاقتصادية وبارتفاع الأسعار والبطالة ومديونية الدولة. ويظهر منذ شهر تقريبا نقص واضح في التزود ببعض المواد الأساسية الغذائية في الأسواق. بينما الرئيس "منشغل بفتح جبهات ضد النهضة والقضاء"، وفقا للمؤدب.
وحلّ سعيد في شباط/فبراير المجلس الأعلى للقضاء بعد اتهامه بالفساد والعمل وفق الولاءات السياسية، وعيّن مجلسا جديدا.
ودعا حزب النهضة إلى مقاطعة الاستشارة التي يعتبرها منطلقا "لتفكيك الدولة"، كما لم تشجّع منظمات المجتمع المدني عليها.
ويقدّر المؤدب أن يؤول مسار سعيّد الى الفشل، لأنه "لم يشكّل تحالفا" لدعم "مشروعه السياسي"، بل "يتقدّم وحيدا ويرسم طريقه بمفرده ويقرّر مصير البلاد بصفة منفرد".
وانتقدت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي التي تحظى بتأييد شعبي لا بأس به بحسب استطلاعات الرأي، بحدة الاستشارة الوطنية. وقالت في تصريحات إعلامية إن الرئيس "يهدر المال العام ويستعمل موارد الدولة لتحقيق مشروع سياسي شخصي"، "ولن نكون شهود زور على أكبر عملية تحيّل سيتعرض لها الشعب التونسي".