واشنطن: يجد الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه في مأزق مع استئناف مفاوضات فيينا، إذ يراهن على نجاح الآلية في إحياء الاتفاق النووي مع طهران، لكنّه على يقين في المقابل أنه سيُقابل مجددا بمعارضة في الولايات المتحدة.
وبقي هذا الموضوع خارج التداول في واشنطن مع تعثر المفاوضات غير المباشرة الجارية منذ عشرة أشهر في فيينا، ما بدد آمال بايدن في التوصل سريعا إلى اتفاق يحيي "خطة العمل الشاملة المشتركة".
غير أن الاتفاق الرامي إلى منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، طرح نفسه مجددا، مع استئناف محادثات فيينا بهدف معلن من جانب جميع الأطراف هو التوصل إلى توافق في أسرع وقت ممكن.
فإمّا أن يتمّ إنقاذ النص الذي باتت مفاعيله في حكم اللاغية منذ انسحاب واشنطن منه العام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أو سيكون عندها فشل الدبلوماسية وقفزة في المجهول.
وبدأت ترتفع أصوات من المعسكرين، بعضها يدافع عن الاتفاق باعتباره الوحيد القادر على ضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وبعضها الآخر يعتبره غير كاف وبالتالي خطرا.
وتجلّى الجدل خلال جلسة استماع للمفاوض الأميركي روب مالي الاربعاء في اجتماع مغلق لمجلس الشيوخ.
وصرح السناتور الديموقراطي كريس مورفي للصحافيين لدى خروجه من الجلسة أن الوضع "مثير للقلق والصدمة".
فأكدت الجلسة ما كان يقوله الخبراء، بأنه مع مخالفة إيران التزاماتها بموجب الاتفاق ردا على خروج واشنطن منه وإعادة فرضها عقوبات شديدة عليها، باتت أسابيع قليلة تفصلها عن امتلاك كمية كافية من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية.
وتعتبر هذه "المهلة الفاصلة" عنصرا أساسيّا في النقاش، حتى لو أنه ما زال هناك عدة مراحل أخرى قبل التوصل إلى صنع القنبلة.
ويؤيد كريس مورفي على غرار معظم الديموقراطيين، سياسة بايدن الذي يسعى لإحياء الاتفاق باعتبار أن نهج "الضغوط القصوى" الذي طبقه سلفه لانتزاع اتفاق أفضل من إيران أتى بنتيجة عكسية.
غير أن آخرين في محيط الرئيس يبدون تحفظات.
وقال الرئيس الديموقراطي للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينديز لوكالة فرانس برس "إنها لحظة حرجة" مضيفا "أخرج من الاجتماع مدركا بالتأكيد لصعوبات الموقف الذي نحن فيه"، وهو حذر البيت الأبيض في مطلع شباط/فبراير من مغبة القبول بأي اتفاق حتى لو كان "سيّئا".
وفي صفوف اليمين حيث اشتدت المعارضة للاتفاق أكثر من قبل، كتب معظم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى الرئيس لحضه على أن "يطرح على الكونغرس" أي "اتفاق" جديد حول البرنامج النووي الإيراني، عملا بقانون يهددون باستخدامه "لعرقلة تنفيذ" أي اتفاق مستقبلا مع طهران.
وعمدت الإدارة في الوقت الحاضر إلى تفادي الخوض في السجال، مراهنة على ما يبدو على أن التسوية ستكون عودة إلى الاتفاق الأساسي وليس التوصل إلى اتفاق جديد.
وأبدى الجمهوريون بوضوح معارضتهم لرفع العقوبات عن إيران في حال التوصل إلى تفاهم في فيينا، معتبرين أن ذلك سيعني منح إيران مكافأة مالية على "أنشطتها المزعزعة للاستقرار".
ورأى مايك دوبوفيتز الذي يدير "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات"، مركز الدراسات المعارض للاتفاق النووي، متحدثا لوكالة فرانس برس، أن الإيرانيين "يعرفون أن الرئيس بايدن يسعى يائسا للتوصل إلى اتفاق ... وبالتالي، يحاولون انتزاع أقصى حد ممكن من التنازلات"، داعيا للعودة إلى سياسة "الضغوط القصوى".
أما الإدارة الديموقراطية، فتريد إزالة هذه العقبة بـ"إعادة وضع البرنامج النووي الإيراني على الرف" لتتمكن من تركيز جهودها على أولوياتها الدبلوماسية وفي طليعتها المنافسة مع الصين.
والمشكلة بنظر مارك دوبوفيتز أن "وضع المشكلة على الرف" لا يعني أنها لن تكون مطروحة، وأن النص سيكون حتى في حال إنقاذه أكثر تساهلا من الذي أبرم قبل سبع سنوات.
وشدد على أن "الإسرائيليين يعتبرون أن +المهلة الفاصلة+ ستكون أربعة إلى ستة أشهر" في حال إعادة تفعيل الاتفاق، ما يعني "ثلث أو نصف" المدة التي يفترضها الاتفاق الأساسي، وهي سنة.
وأكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان الخميس لمحطة "ام اس ان بي سي" أن الولايات المتحدة لن "تقبل بأي عرض كان من إيران" وأنها مستعدة لاعتماد "خيارات أخرى" في حال فشل الجهود الدبلوماسية.
لكن داريل كيمبال المدير التنفيذي لـ"جمعية مراقبة الاسلحة" Arms Control Association رأى أنه "ليس هناك خيار بديل جيدّ" مضيفا "بدون عودة سريعة إلى الالتزام المتبادل بالاتفاق، من المرجح بقوة أن تصبح إيران "على عتبة" امتلاك القنبلة النووية.
ويخشى أنصار حل بالتفاوض أن يؤدي هذا الوضع إلى تصعيد بل حتى إلى مواجهة عسكرية في حال عمدت إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى شنّ ضربات لوقف تقدم طهران.