الذي لا يعرف جغرافية المنطقة لن يفهم اصول اللعبة :
أعلن العراق في التاسع من ديسمبر عام 2017 انتصاره على تنظيم داعش الارهابي بعد ان فرض السيطرة الكاملة على جميع الأراضي العراقية بما فيها الشريط الحدودي مع سوريا، إلاّ أن تحركات التنظيم الارهابي ازدادت هذا العام، بالأخص في سلسلة جبال قرجوغ شرق قضاء مخمور جنوب شرقي محافظة نينوى، والتي تعد خطاً فاصلاً بين مواقع القوات العراقية و قوات البيشمركة.
تُشكل منطقة مخمور والمناطق المحيطة بها جنوب غربي الموصل، ضمن محافظة نينوى وصولاً إلى أطراف كركوك وسلسلة جبال حمرين، شمالي العراق أهمية كبيرة لعصابات داعش، لكونها من المناطق الهشة أمنياً، والتي ما زالت تحوي على خلايا وجيوب مسلحة تابعة لقوات داعش الارهابي واكثريتهم من ابناء المنطقة ومن بقايا ازلام النظام البائد، وان تحركاتهم تعتمد على مفارز بارتيزانية صغيرة تهاجم القرى قرب مخمور جنوب الموصل.
ولمعرفت هولاء الارهابيين للطبيعة الجغرافية واسرارمداخلها وخفايا طرقها الجبلية الوعرة والمسالك الصخرية المؤدية إلى قمم جبالها وبطون كهوفها وعيون ميائها وسهولها ووديانها والطرق المؤدية اليها وطرق الانسحاب منها لهذه الاسباب ولاسباب كثيرة اخرى يتمسك داعش بالبقاء في المنطقة رغم كل العمليات العسكرية التي تم تنفيذها في المنطقة، والقصف شبه اليومي على مواقع المسلحين.
من الجدير بالذكر ان قضاء مخمور، جنوب شرق مدينة الموصل يقع على بعد 56 كم جنوب غرب أربيل بين نهري الزاب الكبير والزاب الصغير، يقطنها سكان من المكونين العربي والكوردي. ويعتبر من ضمن المناطق المتنازع عليها، بعد سقوط نظام البعث الفاشي في 2003 كان القضاء يُدار من قبل حكومة الإقليم، لكن عقب أحداث 16 أكتوبر 2017 وعودة القوات العراقية إلى المناطق المتنازع عليها، تولت الحكومة العراقية مسؤولية الملف الأمني والاداري للقضاء.
وحتى عام 1996 كانت مخمور قضاءً تابعاً لمحافظة أربيل، إلا أنها وضمن سياسة التعريب تم إلحاقها بمحافظة نينوى بقرار من النظام البعثي الفاشي.
سيناريو إحياء داعش في العراق:
هناك اسباب كثيرة ادت إلى ظهور داعش من جديد وخاصة في مناظق سلسلة جبل قرجوغ، ولا أخفي سراً أن أهم الأسباب هي: الضغوطات الكبيرة التي تمارسها إيران عبر تنسيقية المقاومة العراقية التي تضم فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران، وعلى رأسها سرايا "أولياء الدم" التي اعلنت قبل شهور مسؤوليتها عن هجمات على قوافل لوجستية تحمل معدات للقوات الأمريكية وهجماتها الصاروخية على قاعدة أمريكية في مدينة أربيل في 16 / 1 / 2021، و"كتائب حزب الله العراقي" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة النجباء". وفصائل كثيرة اخرى التي تطالب بانسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في 31 / 12 / 2021 من العراق.
ومن الجدير بالذكر ان عدد الميليشيات التابعة لإيران والتي تهدد بالعمل ضد الولايات المتحدة ازداد بشكل ملحوظ منذ اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس من قبل الولايات المتحدة في كانون الثاني 2020 .وانها اي الميليشيات قادرة على استخدام تكنولوجيا الأسلحة المتطورة في هجماتها ضد قوات التحالف، بما في ذلك الطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة "رويترز"، في تقرير لها تم نشره يوم 21 أيار 2020 ، أن إيران قامت بتغيير تكتيكي في استراتيجيتها في العراق، والآن بدلاً من الاعتماد على مجموعات شيعية متشددة كبيرة، قامت بتنظيم المقاتلين في مجموعات صغيرة. وبحسب التقرير، تلقى أعضاء هذه المجموعات الخاصة الخاضعة لإشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تدريبات على حرب الطائرات المسيّرة والمراقبة والإعلان عبر الإنترنت.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن الولايات المتحدة الاميركية استخدمت ورقة داعش (سيناريو عودة ظهور داعش) من جديد وخاصة في منطقة مخمور الغنية بالنفط لشرعنة بقائها في العراق بحجة إن من واجب القوات الأمريكية ان تدعم القوات العراقية وانها ملزمة بتقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية (الجيش والبيشمركة) في قتالها ضد المجاميع الارهابية وخاصة ان هناك مطالبة ببقاء قواتها من قبل بغداد واربيل (المحسوبين على المحور الأميركي)، على الرغم من ان البرلمان العراقي صوت على إخراج القوات الأجنبية من العراق في الخامس من كانون الثاني 2020.
هل يخرج العراق بسلام من فخ السيناريوهات الدولية والإقليمة المظلمة ؟ :
على الرغم من الضغوطات التي تمارسها تنسيقية المقاومة العراقية (الاذرع المسلحة للجارة السيئة إيران)، من اجل انسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية في 31 / 12 / 2021 من العراق والتي قالت في بيانها الصادر في (19 تشرين الثاني 2021): (لم نرَ حتى الآن اي مظهر من مظاهر الانسحاب بناء على مخرجات جولة الحوار الستراتيجي التي جرت بين واشنطن وبغداد في تموز الماضي، على الرغم من أنه لا يفصلنا عن 31/ 12/ 2021 سوى 42 يوماً فقط". وعليه إذا لم تنسحب القوات الامريكية القتالية المحتلة من كافة الأراضي العراقية نهاية العام الحالي، فسيكون للمقاومة قولها الفصل في الدخول بمواجهة مفتوحة مع الاحتلال لإخراجه رغما عن انفه).
إلا ان الولايات المتحدة، التي تملك أكبر قنصلية لها في العالم بإقليم كوردستان، جدّدت تاكيداتها لحكومة الإقليم بانها لا تتخلى عنها، حتى إذا ما قرروا تقليص وجودهم العسكري مستقبلاً أو الانسحاب بالكامل.
ان الولايات المتحدة تعرف جيداً ان انسحابها الكامل من العراق سوف يستجلب نموذجاً إيرانياً في العراق، وخاصة بعد ان نجحت طهران في صناعة ميليشيات شيعية عدة تابعة لإيران والتي تشكَّلت عام 2014 في خضم التعبئة لمواجهة داعش الارهابي، نعم إيران التي حولت العراق منذ عام 2003 إلى حديقة خلفية لها دفاعاً عن نظامها الاستبدادي، كما استطاعت ان تضاعف مشاركتها كقوة إقليمية في الحرب الاهلية السورية وتعميق وجودها العسكري في المنطقة ككل. بما يعني أنها باتت المستفيد الأبرز من أي انسحاب محتمل للأميركيين من العراق والمنطقة بشكل عام.
وحسب التقديرات الدولية انفقت إيران في الأعوام الأخيرة 800 مليون دولار على حزب الله اللبناني و70 مليون دولار على حركة حماس، ومن بين التقديرات الأخری لكلفة الدور الإيراني في سوريا وتقدير الباحث في الشأن السوري الدكتور نديم شحادة الذي قدر ما تحملته إيران بلغ خلال سنة 2012 و 2013 ما بين 14 إلى 15 مليار دولار بعد أن فقدت حكومة بشار الاسد جميع إيراداتها، اضافة إلى ان إيران (كلاعب إقليمي فاعل) منذ 2012 رفدت قوات النظام السوري بعشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وباكستان ومن دول أخرى ضمن ما يصل إلى 80 فصيلا للقتال إلى جانب قوات النظام ومنع سقوطه.
كما تلتقي الدول التي تدخلت فيها إيران عبر أذرعها المسلحة، العراق وسوريا ولبنان واليمن، على مشتركات الفوضى وعدم الاستقرار وتراجع مستوى الخدمات وتفشي الفساد المالي والإداري، إلى جانب انتشار المخدرات والجريمة المنظمة في مجتمعاتها وانهيار اقتصادها.
نعم، للاسف ان الشعب العراقي واهالي القرى المغضوبة عليهم في منطقة مخمور يدفعون مجدداً ثمن الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة والدول الإقليمية.
ويبقى السؤال الاهم: هل يخرج العراق وشعبه بسلام من فخ السيناريوهات الدولية والإقليمة المظلمة؟