: آخر تحديث
صرخة من قلب السودان

برلين 75: فيلم خرطوم شهادة سينمائية على الصراع والنزوح

10
16
9

إيلاف من برلين: بعد عرضه في مهرجاني "صندانس" و"برلين" السينمائيين، حظي فيلم "خرطوم" باهتمام واسع، حيث حصل على جائزة تصويت الجمهور كثالث أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، في إشارة واضحة إلى مدى تأثيره العاطفي والإنساني على المشاهدين. الفيلم يقدم صورة متعددة الطبقات للحياة في الخرطوم، حيث تتشابك قصص شخصياته في نسيج درامي واحد، يعكس التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها السودان خلال السنوات الأخيرة.


لم يكن الفيلم مخططًا له منذ البداية كعمل موحد، بل بدأ كمشروع مستقل لكل مخرج، قبل أن تتلاقى الأفكار في سرد مشترك يعكس واقعًا متغيرًا بسرعة، ويطرح أسئلة حول الوطن والانتماء والنزوح والهوية. التقت "إيلاف" بثلاثة من مخرجي الفيلم، وهم تيماء أحمد، إبراهيم سنوبي، وراوية الحاج، إضافة إلى المونتير يوسف الجعبة، للحديث عن التحديات التي واجهتهم أثناء صناعة الفيلم، وكيف تعاملوا مع الواقع السياسي المتغير في السودان.
يوضح المخرج تيماء أحمد أن الفيلم بدأ كمجموعة من الأفلام القصيرة المستقلة، في إطار تعاون مع "سودان فيلم فاكتوري" لدعم المخرجين الجدد من خلال توفير المعدات والموارد التي تتيح لهم إنتاج أعمال بجودة عالية. 


في البداية، كانت لكل مخرج قصة منفصلة تمامًا، لكن مع تطور الورش والعمل المشترك، بدأ يظهر رابط خفي يجمع هذه الحكايات، مما دفع الفريق إلى دمجها في فيلم واحد يعكس صورة أوسع عن الخرطوم وسكانها.
ويؤكد أن الخرطوم لم تكن مجرد موقع تصوير، بل أصبحت شخصية رئيسية في الفيلم، تعكس نبض المدينة وتحولاتها،وكان التحدي الأكبر هو كيفية توظيفها بصريًا وروائيًا بحيث تظل عنصرًا فاعلًا داخل السرد السينمائي.
يصف المخرج إبراهيم سنوبي الأجواء التي رافقت التصوير بأنها كانت صعبة ومعقدة، حيث كانت المظاهرات في السودان مشتعلة بشكل دوري، مما جعل الاحتجاجات جزءًا أساسيًا من المشاهد. لم يكن بالإمكان تجاهلها، لأن التصوير كان يتم في قلب الحدث، حيث كان الفريق يجد نفسه وسط المسيرات بشكل يومي تقريبًا، لكن مع اندلاع الحرب، أصبح التنقل داخل السودان أمرًا بالغ الصعوبة، إذ انقسمت السيطرة على المناطق بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما جعل العبور بين الأحياء يشكل خطرًا حقيقيًا على أي شخص، بغض النظر عن موقفه السياسي.
ويؤكد سنوبي أن حمل معدات التصوير في مثل هذه الأوضاع جعل الفريق عرضة للريبة من جميع الأطراف، الأمر الذي تطلب اتخاذ أقصى درجات الحذر في تحركاتهم. ومع تصاعد التوترات، اضطر بعض أفراد الفريق إلى مغادرة السودان ومتابعة العمل من الخارج، وهو ما فرض تحديًا كبيرًا على بنية الفيلم، حيث كان عليهم إيجاد حلول مبتكرة لإكمال القصة دون أن تفقد هويتها الأصلية.
تشير المخرجة راوية الحاج إلى أن الفيلم كان منذ البداية تجربة جماعية بالكامل، حيث لم يكن هناك مخرج رئيسي واحد، بل كان الجميع يعمل بروح الفريق، ويتناقشون في كل تفصيلة، من اختيار اللقطات إلى بناء المشاهد، مما منح العمل طابعًا فريدًا قائمًا على التعاون المشترك. ومع اندلاع الحرب، عقد الفريق ورشة عمل في نيروبي لمناقشة مستقبل المشروع، وكان القرار بالإجماع الاستمرار رغم كل التحديات. وتوضح أن المشاركة الجماعية لم تقتصر على المخرجين فقط، بل امتدت إلى الشخصيات الحقيقية التي ظهرت في الفيلم، حيث تمت استشارتهم حول استمرار مشاركتهم في ظل التطورات السياسية، ما عزز من العلاقة بين صناع الفيلم وأبطاله الحقيقيين.


يرى المونتير يوسف الجعبة أن عملية المونتاج كانت من أكبر التحديات التي واجهها الفريق، حيث استغرقت أكثر من عام، لا سيما بعد أن فرضت الحرب تغييرًا جذريًا على بنية الفيلم. كان العمل في البداية يعتمد على السرد البصري والشعري، دون الحاجة إلى مقابلات مباشرة، لكن مع تغير الأوضاع، بات من الضروري إعطاء الشخصيات مساحة للحديث عن تجاربهم.
هذه التغييرات فرضت تحديًا آخر، حيث أدى إدخال المقابلات إلى تقليل المساحة المخصصة للقطات الخرطوم الأصلية، مما تطلب إعادة هيكلة السرد البصري للحفاظ على هوية الفيلم، فأكثر من 50% من اللقطات المصورة قبل الحرب لم يتم استخدامها، إذ تغير السياق الذي صُورت فيه بالكامل، ما جعل الفريق يعيد بناء الفيلم من جديد ليعكس الواقع المتحول دون أن يفقد قوته الفنية والتوثيقية.


ورغم أن الفيلم يتناول فترة سياسية حساسة، إلا أن الفريق كان حريصًا على تقديمه كعمل سينمائي متكامل، وليس مجرد وثيقة بصرية للأحداث. توضح راوية الحاج أنها كانت في البداية ضد فكرة إدخال المقابلات المباشرة، لأنها شعرت أن ذلك قد يجعله أقرب إلى العمل التوثيقي التقليدي، لكنها أدركت لاحقًا أن الأحداث فرضت هذا التحول، وكان لا بد من موازنته بطريقة تحافظ على الطابع السينمائي للفيلم دون أن يفقد قيمته التوثيقية.
يحضر صناع الفيلم لمشاريع جديدة في الوقت الحالي، فالمخرج تيماء أحمد يعمل على عدة أفلام قصيرة، كما انتهى من فيلم سريالي عن الحرب ويعمل على توزيعه. ويؤكد أن تجربة "خرطوم" كانت استثنائية، ليس فقط من الناحية المهنية، ولكن أيضًا على المستوى الشخصي، حيث اضطر الفريق للعيش معًا في نيروبي بعد النزوح، مما جعل التجربة أكثر عمقًا وتأثيرًا.
أما راوية الحاج، فتعمل على مشروع يوثق حياة النساء في رياضة الجودو في السودان، حيث ترى أن الرياضة تمثل مساحة تمكين مهمة للمرأة السودانية، وتسعى إلى استكشاف هذا الجانب من خلال السينما.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه