إيلاف من مراكش:تعود عروض"نوستالجيا"،بداية من السبت، وإلى غاية الأربعاء المقبل، بفضاء "قصر البديع" التاريخي في مراكش،وذلك في موعد جديد،اختارت له وزارة الشباب والثقافة والتواصل عنوان:"ليالي البديع".
ملصق "ليالي البديع"بمراكش
وتأتي "ليالي البديع" في إطار برنامج "مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024"، المنظم، تحت رعاية الملك محمد السادس، بشراكة بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ومجلس جماعة ) بلدية)مراكش.
وسبق لمراكش، أن احتضنت، قبل نحو شهرين، وعلى مدى خمسة أيام، بمناسبة احتفالية "مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024"، عروضا مسرحية وفنية احتفت بفضاء "قصر الباهية" التاريخي.
وأطلقت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، في يوليو الماضي، برنامج "نوستالجيا - عاطفة الأمس"، بموقع "شالة" الأثري بالرباط.
قصر البديع
وتقول وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إنها تهدف من خلال "نوستالجيا – عاطفة الأمس"، إلى التعريف بتاريخ المواقع الأثرية المغربية، بشكل يرد إليها الاعتبار ، ويذكر بقيمتها على مستوى تاريخ وحضارة البلد، من خلال برنامج ثقافي يتضمن عروضا مسرحية وفنية.
وتهدف عروض "ليالي البديع"، إلى محاكاة أحداث تاريخية داخل فضاء "قصر البديع" التاريخي، الذي يقع في عمق المدينة القديمة لمراكش، على بُعد دقائق من ساحة جامع الفنا، قلب مراكش النابض. وهو واحد من العناوين التاريخية لمراكش، التي تختصر حضارة مدينة كان لها دور مؤثر في منطقة الحوض المتوسطي، منذ تأسيسها زمن حكم المرابطين في القرن الحادي عشر الميلادي.
ويشهد "قصر البديع" على منجزات وانتصارات الأسرة السعدية التي حكمت المغرب في الفترة ما بين 1554 و1659، حيث شُرع في بنائه عام 1578 مع بداية فترة حكم أحمد المنصور الذهبي (1578 - 1603)، بعد انتصار الجيش المغربي على الجيش البرتغالي في معركة "وادي المخازن" الشهيرة.
وتشير بعض الكتابات التاريخية إلى أن أحمد المنصور الذهبي جلب لبنائه وزخرفته أمهر الصناع التقليديين والمهندسين المغاربة والأجانب، حتى إن بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى اعتبروه "من عجائب الدنيا في زمنه".
وهناك آراء كثيرة حول تسميته "قصر البديع"؛ فهناك من يقول إنه عائد إلى إحدى زوجات السلطان المنصور، وهناك من يقول إنه لكثرة زخارفه وجدرانه المغطاة بالزليج، بما أن معنى هذا الأخير في الدارجة المغربية "البديع" بتسكين الباء. يقال أيضاً إنه سمي "البديع" لأنه "ليس له مثيل"، باعتباره "تحفة عمرانية" و"معجزة هندسية"، لا تزال تشهد أطلالها برونق المعمار في عهد سلالة السعديين، كما تحمل عدة تأثيرات أجنبية تتجسد من خلال تصميمه الأندلسي الشكل. فالأجنحة المحورية مستوحاة من ساحة الأسود بغرناطة ونجدها أيضاً في صحن مسجد القرويين بفاس، والبركة المائية المستطيلة والكبيرة الحجم نجدها بساحة الريحان. أما نظام البرك والقنوات المائية داخل القاعات فنجد مثيلاً له في قصر الحمراء في غرناطة. ويُفهم من هذا أن الفن الأندلسي في غرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي خلال هذه الفترة بفضل هجرات المورسكيين الفارّين من حروب الاسترداد المسيحية.
ويفيدنا المؤرخ المغربي محمد الصغير الإفراني في فهم بعض مصادر التأثير الأخرى، حيث يذكر أن المنصور الذهبي استقدم العمال والحرفيين من كل البلاد وحتى من أوروبا كما جلب الرخام من مدينة بيزا من إيطاليا،وهي طرق وتقاليد شائعة في القرون الوسطى ببلاد الإسلام.
ومما نقرأ للدبلوماسي والمؤرخ المغربي الراحل عبد الهادي التازي (1921 - 2015)، تحت عنوان: "قصر البديع بمراكش / من عجائب الدنيا / بواعث تشييده وظروف تخريبه وعمليات ترميمه": "اعتاد الملوك المغاربة أن يخلدوا انتصاراتهم الكبرى بتشييد مبان معلمية تكون في مستوى تلك الانتصارات، وهكذا فعلى نحو ما قام به المنصور الموحدي من بناء الجوامع الثلاثة: الخيرالدة في إشبيلية، والكتبية في مراكش، وحسان بالرباط، في أعقاب انتصاره بموقعة الأرك بالأندلس، على نحو ذلك شرع المنصور السعدي عقب انتصاره على الجيش البرتغالي ومصرع الملك سباستيان في وادي المخازن، وبعد خمسة شهور من المعركة (شوال 986 – ديسمبر 1578) في بناء قصر البديع ... ولقد حرص عدد ممن اهتموا بتصميم القصر من الأجانب – على معرفة اسم المهندس المعماري الذي رسم خطوطه الأولى .. والذي لم يكن غير أمير المؤمنين المنصور الذي كان يسهر – مع ذلك – بنفسه على تنفيذ تصميمه المستوحى دون شك من بعض القصور الأندلسية ... ولا بد من التذكير بأن قصر البديع – وهو البناية الخاصة بالعاهل – أطلق على سائر "المجمع" الذي يقع بجانب البديع بما في ذلك الدار الكبرى بما تحتويه من قباب ورياض ومرافق. (...) وقد اجتمعت كلمة زواره من الدبلوماسيين أو الرسامين أو الأسرى على أنه تحفة العصر وعنوان العظمة ودليل التوازن، وما بالك بقصر جلب بعض مواده من أقاصي الدنيا وأرسلت السفارات لإيرلندا من أجل إرضاء مطالب المنصور حوله .. واشترى رخامه من إيطاليا وزنا بوزن – بالسكر الذي كانت تنتجه المعاصر والمعامل المتناثرة في الجنوب والذي كانت القصور الملكية في أوروبا تتباهي بتقديمه لكبار ضيوفها وزوارها .وهكذا تتفق الرواية العربية مع الرواية الأخرى على أنه كان "جنة على أرض مراكش. (...) وقد ظل البديع منذ نهاية البناء المركز الأول في الدولة لتنظيم البعثات الدبلوماسية التي رددت صدى القصر من مختلف دول أوروبا .. وآسيا .. كما كانت محفلا يلتقي فيه أعيان الدولة بمناسبة الأيام الإسلامية وبخاصة ليالي رمضان وذكرى المولد النبوي، وخاصة أيضا بعد النصر الضخم الذي حققه المنصور على إمبراطورية شنغاي، والذي كان موجها في الواقع ضد طموح العثمانيين لتطويق المغرب واكتساب نافذة على المحيط الأطلسي. (...) لكن القصر – وهو على ما عرفنا – أمسى، إثر وفاة المنصور السعدي، واختلاف كلمة بَنيه من بعده، هدفا لعدد من أعمال التخريب الناتجة عن الصدام المستمر من أجل الاستيلاء على العاصمة مراكش، وعلى مركز الحكم فيها: قصر البديع".