العالم اليوم يترقب حضور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى المشهد السياسي. تدور كل الحوارات والأسئلة حول ما إذا كان هناك تغيير في النهج الإداري للرئيس العائد مجدداً إلى كرسي الرئاسة في ولايته الجديدة مقارنة بفترة ولايته الأولى. هذا التساؤل مهم، ويترتب عليه تفاصيل كثيرة على المستوى السياسي العام.
خلال ولايته الأولى، لم يكن المشهد العام كما هو الآن من حروب وصراعات في بعض الدول. لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت، ولم تتحرك أزمات الشرق الأوسط بهذا الشكل المخيف الذي نتج عنه مآسٍ إنسانية كبيرة. وكما يعلم الجميع، كان العالم خلال فترة ولايته الأولى أكثر هدوءاً مقارنة بهذه الفترة التي قد تعتبر الأصعب. هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها العالم تحتاج إلى تضافر جهود دولية مشتركة، وتتطلب عملاً فعلياً يجنب العالم مزيداً من الخسائر.
وفي هذا الإطار، لا أحد يتجاهل الدور الكبير الذي تقوم به أميركا على كافة الأصعدة بحكم كونها دولة عظمى يقع على عاتقها مسؤولية دعم جوانب السلام وترسيخه كمبدأ أساسي لاستمرار الحياة والتنمية في كل دول العالم. هذا التصور النموذجي للدور الأساسي الذي من المفترض أن تؤديه أميركا يصطدم بتصريحات الرئيس القادم إلى البيت الأبيض مجدداً. فحديثه عن كندا أو المكسيك لا يجعل العالم يشعر بالارتياح، لأن تهديد استقرار بعض الدول قد يفتح المجال لعمليات توسعية في دول أخرى، مما يدفع العالم بأسره إلى مزيد من التوتر والقلق.
كلّ السياسيين الذين يتابعون المشهد السياسي العالمي في حالة ذهول من بعض التصريحات التي أطلقها ترامب، ويضعون الكثير من التساؤلات حولها. فالمستقبل اليوم لا يحتمل مزيداً من الخسائر الإنسانية والاقتصادية. والصورة الإيجابية المطلوبة هي أن يعيش هذا العالم بأمن وسلام.
قد يدخل ترامب التاريخ بالاتجاهين. فإن أراد السلام وسعى خلفه بكل قوة، وأعني السلام العادل الذي يفرض الحق على الجميع في العالم كله، فسيخلد التاريخ ذكراه، وسيصفه بأجمل العبارات. فإعادة العالم إلى الوضع الطبيعي كي تسير الحياة بشكل إنساني مقبول ليس بالأمر السهل، ويتطلب مجهوداً كبيراً وجهوداً مضنية لإيجاد الحلول المناسبة. أما إذا أراد الذهاب بالعالم إلى سكة الصراعات وتفجير مزيد من النزاعات، وجعل العالم يعيش على صفيح ساخن لا يكاد يهدأ حتى تتحرك أزمات جديدة كالتصريحات التي أطلقها قبل عدة أيام والتي تخص كندا والمكسيك، فإن العالم كله سيدخل مرحلة جديدة مخيفة تشهد المزيد من الارتباك.
إقرأ أيضاً: السعودية واستثمارات فرنسا
في الخطاب الافتتاحي للرئيس ترامب، والمقرر في 20 كانون الثاني (يناير)، قد تكون بعض الأمور أكثر وضوحاً. فمن المتوقع أن يطلق الرئيس المنتخب، عقب توليه منصبه الاثنين، عاصفة من الأوامر التنفيذية التي ستُشكل صدمة وذهولاً للجميع. وخلال الحملة الرئاسية الثالثة، وعد ترامب، بحسب شبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية، بأنه سيكون دكتاتوراً في اليوم الأول فقط، حيث صرح بالعديد من الأمور التي وعد بتنفيذها خلال الليلة الأولى له في البيت الأبيض.
لذلك، الأميركيون وغيرهم في هذا العالم يشعرون بالقلق من تلك القرارات المنتظرة. فالسياسة الداخلية التي سينتهجها ترامب تجعل الأميركيين يترقبون الوضع بكثير من الاهتمام، فحياتهم طوال السنوات الأربع القادمة مرتبطة بالقرارات التي سيتخذها في يوم التنصيب، وهي عبارة عن الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية، وآن الأوان لتنفيذها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو برنامج الترحيل الجماعي لإخراج من وصفهم بالمجرمين من أميركا، والذي يقدر عددهم بـ11 مليون مهاجر.
إقرأ أيضاً: "أخيراً وليس آخراً" عادت سوريا
ما يهمنا في العالم العربي هو كيف سيدير السياسة الخارجية الأميركية، وما يحمله في جعبته من قرارات. وهل ستكون مقنعة للعالم وتسير في طريق الحل المنشود لإغلاق ما يمكن إغلاقه من صراعات وحروب؟ نأمل ذلك. فالذات الإنسانية غريبة، فبقدر ما هي شريرة وقاسية وأنانية لدرجة الشيطنة، بقدر ما هي طيبة ورقيقة وكريمة في أعماقها لدرجة الملائكية.
تحت كل ذلك الركام من الشر والقسوة والأنانية، زعماء كثيرون حاولوا استثارة كل ما هو سيئ وشيطاني في ذات الإنسان من أجل تحقيق أهدافهم، سواء كانت ذاتية بحتة، أو عامة ومحفوفة بالنوايا الطيبة في بعض الأحيان. ولكن الخالدين من الناس في أفئدة الناس هم أولئك الذين كانوا يبحثون عن الخير المدفون في أعماق البشرية، ويحاولون كشفه مهما كانت التضحيات، ومهما كان المشوار طويلاً، من أجل أهداف وغايات إنسانية في المقام الأول والأخير.
إقرأ أيضاً: السعودية وأمتنا العربية
فالذين يحبون الناس بإخلاص هم من يخلدهم الناس، وكل مجد خلاف ذلك هو مجد زائف. فمن أسهل الأمور استثارة عوامل الشر في الإنسان ودفعها لتحقيق هذه الغاية أو تلك، ولكن من أصعب الأمور الكشف عن جوانب الخير الدفينة في كل ذات إنسانية ودفعها لتحقيق الهدف. قد يكون تحقيق الهدف عن طريق استثارة عوامل الشر أسهل وأسرع، ولكن تحقيقه عن طريق عوامل الخير أثبت وأبقى وأخلد لصاحبه.