الاستفهامات عن الديمقراطية في الكويت تختلف في كثير منها أو معظمها اعتمادًا على المنظور والمنبع والمفهوم، فالغرب له رأي وتقييم، والوضع الكويتي له أكثر من رأي وموقف من الديمقراطية.
القضايا المرتبطة بالديمقراطية والمسائل السياسية والثقافية لها مسارات ومواقف تاريخية، لكنها، بالتأكيد، ليست ثورية المنشأ ولا الهدف في تقييم رحلة الكويت مع الديمقراطية، والمبايعة الدستورية بين الشعب الكويتي وأسرة الحكم.
الكويت ليست بحاجة إلى إعادة نظر في الحياة الديمقراطية، فالحياة السياسية فيها مرتبطة في النظام ا الديمقراطي الدستوري القائم على مبايعة بدأت مع الشورى في العام 1921 إلى أن أصبحت عقداً دستورياً في العام 1962.
الكويت بعد حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، وهي مرحلة مراجعة وتعاون وليست مرحلة صدام واحتقان خصوصاً في ظل أرث ثقافي وسياسي، وثقه التاريخ الكويتي الذي يقوم على حرية الرأي والتعبير، وتعددية الرأي، والمشورة، والقناعات.
شهدت الكويت منعطفات سياسية عديدة. وأيضا، شهدت الكويت مواقف وطنية وتحديات سواء على صعيد تعليق الدستور وحل مجالس الأمة، وما صاحب الغزو العراقي من التفاف وطني حول الشرعية وملاحم بطولية سطرها الشعب الكويتي دفاعاً عن شرعية الحكم.
الكويت فيها مستجدات ومتغيرات اجتماعية وثقافية، لكن النموذج السياسي الكويتي يختلف عن النماذج العربية الأخرى، الأمر الذي يحتم نظرة محايدة من العالم إلى الكويت، ومن داخل الكويت إلى الديمقراطية ومستقبلها، فالنظام السياسي لم يقم على ثورة.
الحلول غير الدستورية كانت لها ظروفاً مختلفة في السبعينات والثمانيات عن حل مجلس 2024 وتعليق بعض مواد الدستور، فالتحديات الاجتماعية والثقافية والسياسية والمتغيرات والمستجدات ذات الصلة اختلفت عن تلك المراحل الماضية.
من البديهي أن تحدث متغيرات عميقة ومنعطفات حادة على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي أيضاً، ومن البديهي أيضاً أن نلتفت إلى جميع العوامل التي أدت إلى انتكاسات سياسية وتجاوزات بحجج دينية، ونتيجة تطرف ديني وتزمت اجتماعي وقناعات موغلة في الفكر الجهادي!
نحن بحاجة إلى تقييم حجم التحديات وطبيعتها وقراءة متأنية للتشوهات التي شهدتها الكويت منذ ما يسمى بالصحوة الإسلامية حتى اليوم، من دون الاختزال، ولا المداورة والمداراة في عميلة المراجعة والقراءة وتحليل دور جماعة "الإخوان المسلمين" خلف الكواليس الكويتية والإقليمية.
ثمة مفاهيم مغلوطة سادت في السنوات الماضية، وأثرت في طبيعة المجتمع كبروز مكونات لعصبيات اجتماعية ودينية، وقادت تلك النعرات إلى قيام تحالفات قبلية ودينية، ولا ينبغي التهرب من مواجهة هذه المنعطفات والتحديات أو إنكارها!
الحكومة الكويتية تملك اليوم قوة التصحيح والمعالجة الجذرية لكافة المنعطفات والتشوهات والانحرافات، فالحكومة تتمتع بسلطة تنفيذية وتشريعية في آن واحد، ويمكنها صناعة مسار ثقافي جديد ينتشل الكويت من الفكر الجهادي والتطرف الديني وانتهازية جماعة "الإخوان المسلمين".
من المشروع في المرحلة الحالية مراجعة التطرف الديني، ودور جماعة "الإخوان المسلمين" في المجتمع والأجهزة الحكومية، وتحليل الهدوء المصطنع والصمت المتعمد لقيادات مكيافيلية المنهج لجماعة "الإخوان" بعد حل مجلس 2024، ومراجعة دقيقة لدور جمعية الإصلاح الاجتماعي وثرواتها داخل الكويت وخارجها.
في المقابل، يمكن للحكومة القيام بتحليل موضوعي وعلمي للإرهاب الفكري والجهادي الذي توغل في المجتمع الكويتي والمدراس والجامعات، والاستفادة من التطور الإقليمي الجديد لمعرفة تفاصيل قد تكون مجهولة أو غير دقيقة عن الأطراف الكويتية التي التحقت بالجماعات الإرهابية وظروفها.
واقع الحال يستدعي مراجعة دقيقة لما نشر عن مؤتمر جدة الشعبي والرسالة المزعومة للمؤتمر من نائب المرشد العام لتنظيم الإخوان الدولي مصطفى مشهور، واللقاء المزعوم بين وفد "حماس" مع الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله اثناء الغزو وغيرها من مزاعم لجماعة "الإخوان".
عملية المراجعة تحتم العودة إلى الخطابات والتحركات التحريضية لقيادات جماعة "الإخوان المسلمين" ودورهم في السودان، مثلا، في "تدريب أكثر من 70 ألف" واستغلال مناخ الحريات في الكويت وعدم المسائلة القانونية والسياسية بشأن دعم جماعة "الإخوان" في الوطن العربي.
الكويت بحاجة لوقفة حكومية جادة تقود إلى وأد حركة ضخ الأموال من الجمعيات الدينية المسيّسة ونوافذ وجسور "الإخوان المسلمين" تحديداً داخل الكويت وخارجها.
التناقضات محتملة، والمفارقات متوقعة، لكن الإمكانيات الحكومية ينبغي أن تكون بمستوى الإيجابيات المأمولة والطموحات المشروعة على مستوى الدولة والمجتمع.
*إعلامي كويتي